يعتبر إصلاح التعليم الحجر الأساسي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتبناه مجلس التنمية الاقتصادية برعاية سموّ ولي العهد. وأعلنت البحرين استراتيجية المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب القائم على عدة محاور منها تطوير التعليم المهني ورفع كفاءة المعلم. وتزامن هذا المشروع مع إعداد وزارة التربية والتعليم لاستراتيجيتها القائمة على تطوير الإدارة المدرسية الارتقاء بطرائق التدريس، تطوير المناهج الدراسية بالتركيز على المهارات والكفايات، إعداد وتدريب القيادات التربوية والإدارية والتركيز على محور الجودة، تطوير التكنولوجيا في التعليم، وتطوير التعليم العالي وتشجيع البحث العلمي. كل ذلك من أجل تحسين مخرجات النظام التعليمي والتدريبي.
إن ما ذكر أعلاه هي أهداف جميلة لكنها بحاجة إلى ناقلة سليمة تمكننا من الوصول إليها. أي أننا بحاجة إلى بلورة خطة تنفيذية فعالة لتحقيق هذه الآمال وفي هذا السياق عرف علماء الإدارة عدة محاور تستخدم لتفعيل الاستراتيجيات والخطط وهذه المراحل هي: وضع الأهداف المرغوبة في ضوء الاستراتيجية المتبناة، بلورة خطة عمل تحدد الآلية والفترة الزمنية لتنفيذ المشروع، وضع مؤشرات قياس الأداء والتقويم (performance indicators). إن مشروعا بمستوى إصلاح التعليم والتدريب على مستوى الوطن هو بلا شك من الأهمية التي تستحق إخضاعه إلى منهجية علمية لضمان نجاحه. لهذه الأسباب يستعرض هذا المقال أهمية إخضاع مشروع إصلاح التعليم والتدريب لمنهجية التخطيط المذكورة أعلاه.
أولا: المحور الاستراتيجي
في هذا المحور هناك خيارات لتبني استراتيجيات مختلفة منها: مركزية رسم السياسات، لامركزية التنفيذ.
إن مسئولية رسم سياسات التعليم والتدريب منوطة بالجهاز التنفيذي بالدرجة الأولى تحت رقابة الجهاز التشريعي. وحققت البحرين تقدما في إخضاع رسم السياسات لنوع من المشاركة مما ساعد على بلورة الأهداف بصورة سليمة، وهي الأهداف ذاتها التي تضمنتها استراتيجية إصلاح التعليم والتدريب.
إن ورش العمل المتعددة التي نظمها مجلس التنمية الاقتصادية وكذلك عرض مشروعات إصلاح سوق العمل وإصلاح الاقتصاد وتطوير التعليم على السلطة التشريعية مثّلت مشاركة جيّدة لصياغة الاستراتيجية وبلورة الأهداف. إلا أن هناك أسئلة بقيت معلّقة تعتمد الإجابة عنها أساسا لتنفيذ مشروعات الإصلاح ومن هذه الأسئلة: ما هو حجم التفويض في الصلاحيات الذي يجب منحه للقطاع الخاص في مجال التدريب؟
إن النهج الذي اعتمدته الحكومة لسنوات طويلة هو تحصيل رسوم التدريب من القطاع الخاص مقابل توفير العمالة المدربة له, مما حدا بالقطاع الخاص بالتساؤل عن جدوى العائد للرسوم المدفوعة ومصيرها. وهذا النهج هو نوع من الرعاية الأبوية يحوّل مسئولية التدريب إلى الحكومة ويجعله تطوّعا للقطاع الخاص. وعلى رغم نجاح لامركزية التدريب في القطاع المصرفي وفي تجربة الشركات الكبرى إلا أن تكرار التجربة في قطاعات اقتصادية أخرى لم يتحقق. فهل استمرار العمل بالمركزية القديمة يتناسق مع أهداف الإصلاح؟ ثم هل نستمر بالعمل بالازدواجية في الهيكلة القائمة الناتجة عن الخلط بين التعليم والتدريب؟
صحيح أن التعليم والتدريب توأمان إلا أنهما يختلفان في الأهداف وآليات التنفيذ. فالتعليم بخاصيته الأكاديمية يهدف إلى صياغة الفرد اجتماعيا (socialization)، أي تهيئته علميّا وروحيّا للاندماج في قيم المجتمع وتراثه واقتصاده. ومهما قيل عن ربط التعليم بسوق العمل فإن ذلك لا يتعدى التهيئة والإعداد لتمكين الفرد من اختيار ما يلائمه لتحقيق عملية الاندماج. في حين تهدف رسالة التدريب إلى إعطاء الفرد المهارات والقدرات لتمكينه من تنفيذ مهمات وظيفية موصوفة. وبينما تصبح المدرسة وحدة تعليمية يكون مركز التدريب ورشة لإعداد المهارات، ولكلٍ أدواته الخاصة به. وفي حين تلتصق المدرسة بكل المجتمع ومرجعيتها وزارة التربية والتعليم، يلتصق مركز التدريب بالقطاع الاقتصادي ومرجعيته مؤسسات القطاع الخاص من خلال إدارة الموارد البشرية وما تملكه من أدوات فنية كالتصنيف الوظيفي، وتخطيط المسارات الوظيفية والتدريب المهني.
إن الخلط القائم بين رسالة التعليم ومهمات التدريب يتطلب معالجة الازدواجية في هيكلة مؤسسات التعليم الصناعي والتجاري التابعة لوزارة التربية والتعليم تمهيدا لإنشاء مؤسسة وطنيّة للتدريب يمثّل فيها أصحاب الشأن من مؤسسات, وتتمتّع باستقلالية مالية. فتحمّل الحكومة مسئولية رسم السياسات وتنفيذها يشكّل عبئا كبيرا عليها ويحرم القطاع الخاص من المصادر البشرية التي هو أعرف من غيره بالنوعية التي يحتاج إليها. فهل الأجدى هو اقتصار دور الحكومة على رسم السياسات والرقابة على التنفيذ وتقديم التسهيلات؟ أي لامركزية التنفيذ, أم الجمع بين مركزية رسم السياسات ومركزية التنفيذ؟
ثانيا: سياسة إدارة قطاع التعليم
من أهداف استراتيجية وزارة التربية والتعليم تطوير الإدارة المدرسية وطرائق التدريس والمناهج الدراسية.
إن المركزية في رسم السياسات تصاحبها مع الأسف مركزية في تنفيذها، فإصلاح الإدارة المدرسية مثلا يمكن تحقيقه بإرخاء قبضه المركزية على الإدارة المدرسية وبإعطائها درجة من التفويض لصلاحيات تمكّنها من إدارة شئونها من دون الرجوع للمركز، كدرجة من الاستقلال المالي والإداري في ظل مؤشرات أداء التقييم. وهذا التفويض يتطلب إعادة النظر في هيكلة المدرسة وفق مفهوم جديد هو مفهوم المدخلات والمخرجات (Input Output) وبينهما العمليات الإدارية (Process). فإذا كانت المدرسة هي مصنع الموارد البشرية فإنها بلا شك تحتاج إلى هيكل تنظيمي يوزع المسئوليات والصلاحيات ويحدد قنوات الاتصال ويلغي المركزية في القرار. فإصلاح طرق التدريس وتطوير المناهج لن تصبح عملية مجدية من دون المساهمة العملية للمهارات المعايشة للتنفيذ بشكل يومي، والإبداع في هذا المجال لا يتحقق بوصفات علاج معلّبة صادرة من المركز.
وبما أن المدرسة هي الحاضنة والملجأ الأخير لجهود الإصلاح التي غايتها تحسين المخرجات فإن إعادة النظر في سياسة الإدارة المدرسية القائمة تصبح أمرا لا مفرّ منه. وهذا يقودنا للسؤال عن نوع التأهيل والتدريب الملائم للتنفيذيين في الإدارة المدرسية.
فإذا اعتبرنا المدرسة وحدة إنتاجية لها مدخلاتها ومخرجاتها، ومديرها مسئول عن نوعية المخرجات وإدارة ما فيها من موارد، فإن طبيعة مهارات القيادة فيها لا تختلف كثيرا عن مهارات القيادة لأية مؤسسة أخرى. وهذا يعني إعادة النظر في الطرق التقليدية لإعداد القادة المعمول بها في وزارة التربية والتعليم، وأساليب تقيم الجودة ومؤشرات الأداء.
إن مشروع إصلاح التعليم والتدريب حدد أهدافا في صورة آمال، إلا أنه لم يفصح عن الآلية التي يستخدمها لتحقيق هذه الآمال والتطلّعات، كما أنه لم يفصح عن أي تغيير أو إصلاح في سياسة إدارة التعليم والتدريب. إن مشروع الإصلاح كلٌ لا يتجزأ وعندما تجزّأ منهجيته يصبح تحقيق الأهداف محض أضغاث أحلام. وهذا ما لا نتمنّاه لهذا المشروع الوطني. فهل بالإمكان إعادة صياغته بصورة متكاملة من جميع جوانبه؟ وإذا كان الجواب نعم فمن بإمكانه تعليق جرس التنفيذ؟
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ