واحدة من أخطر القضايا التي ابتليت بها الأمة في السنوات الأخيرة، تتمثل في ظاهرة التكفير التي أنتجت وحشية عدوانية قاتلة تلبس لبوس القداسة والدين، وتتحرك من موقع الفتاوى الجاهلة والمتعصبة، والتي تنطلق من شخصيات متعصبة وليست على دراية حقيقية بالآخر، ولا تملك فهما أصيلا للإسلام، ولكنها - مع ذلك كله - استطاعت أن تثير الكثير من البسطاء السذج، لتعدهم بالجنة وبمرافقة الأنبياء والصدِّيقين والشهداء إن هم فجروا أنفسهم بالأبرياء من المدنيين والمؤمنين والمسالمين.
ففي الوقت الذي نشعر فيه بخطورة هذه الظاهرة في وحشيتها وفي سعيها إلى زرع الفتنة المتحركة في الواقع الإسلامي، وفي تشويهها لصورة الإسلام أمام العالم، نستغرب كل هذا الصمت في العالم الإسلامي أمام هذه العمليات الإجرامية التي تجتاح الأطفال والنساء والشيوخ، من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق، في مشهد من أفظع مشاهد القتل والجريمة.
إننا نريد للأمة أن تواجه هذه الحالة العدوانية سياسيا وثقافيا وعلى كل المستويات، ونرى في الجريمة التي استهدفت المؤمنين الزائرين للإمام الحسين (ع) والصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه، القمة في الوحشية التي ينطلق بها من لا يعيش الوجدان الإسلامي، ولا ينفتح على الرسول الأكرم (ص)، وإلا فكيف يمكن أن نفسر هذه العمليات التي تستهدف المؤمنين الذين عاشوا الإخلاص للإمام الحسين (ع)، وعملوا على استعادة ذكرى ثورته حبا بأهل البيت وبسبط الرسول (ص)، والتزاما بالنهج الإسلامي الذي أكده الرسول الأكرم (ص): «حسين مني وأنا من حسين».
إن المشكلة في بعض هؤلاء الوحوش القتلة، أنهم يستحلون دماء المسلمين الذين يعتنقون مذهبا آخر، أو يؤمنون بآراء سياسية أخرى، ولذلك فقد قتلوا من العراقيين الأبرياء في مساجدهم ومقاماتهم الدينية وأسواقهم ومجالس عزائهم عشرات الألوف، أما حديثهم عن مواجهة الاحتلال، فإنهم أساؤوا إلى صورة المقاومة الإسلامية الوطنية الشريفة، وخصوصا أن ضحايا عملياتهم من المدنيين يفوق بما لا يقاس عدد قتلاهم من المحتلين.
دعونا الجميع في حوارنا الإسلامي - الإسلامي إلى اللقاء على أساس دراسة كل القضايا الإسلامية التي يثور فيها الجدل في قضايا الإيمان والكفر، وفي استحلال دم المسلم للمسلم على أساس تهمة الكفر والشرك والارتداد، بطريقة جاهلة متخلفة لا فقه فيها، وهذا ما أدى إلى نجاح الفوضى التي أثارها الاستكبار الأميركي في الفتنة بين المسلمين وفي إسقاط قوتهم، ليكون بأسهم بينهم شديدا.
ندعو هنا علماء المسلمين من جميع المذاهب في العالم الإسلامي، والأحرار الذي يحترمون حقوق الإنسان وينكرون قتل المدنيين الأبرياء، والمسئولين في الدول الإسلامية، إلى التحرك بقوة حتى لا يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وندعو الزائرين المؤمنين في زيارة الأربعين، إلى المزيد من الحذر واليقظة، ليكون كل مواطن خفيرا لحماية الناس من الوحوش المفترسة.
أميركا قد تحتل العالم الإسلامي
إن الحركة التي أطلقتها الإدارة الأميركية حديثا لمقاربة المسألة الفلسطينية من زاوية الدور الذي يراد للحلف الأطلسي أن ينطلق به في فلسطين المحتلة، وبدء الحديث عن إمكانية نشر قوات من الحلف في الضفة الغربية تمثل صورة في واجهة الإدارة السياسية الأميركية للمسألة الفلسطينية لناحية السعي إلى إنهاء هذه المسألة تحت عناوين معالجتها وصوغ الحلول الواقعية لها.
لقد بدأت الإدارة الأميركية العمل على إدخال المسألة الفلسطينية في مرحلة جديدة من مراحل العبث بعناصرها السياسية الأساسية بما يعزز الأمن الإسرائيلي ويُبقي على النفوذ الإسرائيلي، وحتى على هامش الحركة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة تحت الغطاء الأطلسي، الأمر الذي يُدخل الملف الفلسطيني في متاهة جديدة وفي تفصيل جديد يبعده كل البُعد عن الاستقلال والتحرير ويُعطي دليلا إضافيا وحاسما على أن هذه الإدارة لا يمكن أن تكون إلى جانب أي واقع استقلالي وتحرري في العالم العربي والإسلامي، لأنها لا تقيس الأمور إلا بمقياس مصالحها ومصالح الأمن الإسرائيلي.
على دول الاتحاد الأوروبي الحذر من الاستمرار في السير في هذه الهرولة خلف السياسة الأميركية في المنطقة، لأن ذلك قد يتجه بالمنطقة نحو انهيارات سياسية وأمنية جديدة، ويوسع الشرخ الذي بدأ يتسع بين شعوبنا وبين دول الاتحاد التي قرر الكثير منها أن يمشي وراء الإدارة الأميركية في مقاربتها للأوضاع في المنطقة، لا أن يرسم لنفسه خطا مستقلا في هذا المجال، وخصوصا في الموضوع الفلسطيني، لأننا نرى أن حلف شمال الأطلسي تحوَّل إلى هراوة أميركية تستخدمها إدارة الرئيس بوش، حيث تستدعي حاجتها ومصالحها إلى المستوى الذي فقدت فيه الدول الأوروبية الرئيسية شخصيتها وصورتها أمام الضغط الأميركي الذي يلحظ مصلحة «إسرائيل» أولا وآخرا.
الملاحظ أن الخطة التي تقودها الإدارة الأميركية وتلحق بقطارها دول الحلف الأطلسي تقوم على توسعة دائرة الاحتلال لمواقع العالم الإسلامي والعربي ليصبح هذا العالم تحت الاحتلال المباشر من قِبَل أميركا وحلفائها أو تحت الوصاية السياسية بما يؤسس لواقع يشبه واقع الاستعمار والانتداب وما إلى ذلك، الأمر الذي ينبغي على قوى الممانعة والمواجهة أن تحسب حسابه وأن تبدأ برسم الخطط المضادة له، وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تواكبها في حركة رفد لذلك، حتى لا تسقط بقية المواقع في الأمة تحت تأثير هذا الخط الاحتلالي التدميري الذي تقوده الإدارة الأميركية.
إن خطورة هذا الطرح (نشر قوات للحلف الأطلسي في الضفة الغربية)، أنه يمثل من الناحية الواقعية محاولة أميركية جديدة لإضاعة الوقت وكسب الأوضاع المعقدة لمصلحة «إسرائيل» ومن الناحية الاستراتيجية حركة في تدمير القضية الفلسطينية وإنهائها، ولذلك فإننا ننبّه العرب المشدودين إلى الفراغ السياسي وإلى حال الفشل والعجز القاتل من أن ذلك سيؤدي إن عاجلا أو آجلا إلى أن تصل النيران إلى مواقعهم والفوضى إلى مراكزهم وساحاتهم، لأن الكفَّ عن الاهتمام الحقيقي بالمسألة الفلسطينية وإسقاطها من جدول أعمالهم الأساسي، وصولا إلى جعلها تفصيلا من تفاصيل الملف الذي تديره واشنطن وترضخ له دول الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية لن يُفضي إلى تعطيل الدور العربي فحسب، بل سيقود إلى تدمير المصالح العربية العليا على المستويات السياسية الاقتصادية وغيرها لحساب المصلحة الإسرائيلية الأميركية، الأمر الذي لن تقبل به الشعوب العربية والإسلامية وستكون لها كلمتها الحاسمة حياله.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 2002 - الخميس 28 فبراير 2008م الموافق 20 صفر 1429هـ