مازال الحديث عن فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأميركي، يفرض نفسه على الأوساط الاقتصادية وقطاع الأعمال في مختلف دول الخليج العربية، وخصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تشكو من أن استمرار الانهيار في سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية، قد تسبب في انخفاض القيمة الحقيقة للدرهم بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة.
وعن هذا الموضوع، دعا المدير السابق للمصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ألان غرينسبان، دول الخليج إلى تعويم عملاتها وتحريرها من الربط، وليس الاكتفاء برفع قيمتها، إذا ما أرادت التخلص من تبعات التضخم وتراجع الدولار، متوقعا أيضا أن تتجه أسعار النفط في الفترة المقبلة نحو المزيد من الارتفاع.
وإذ أصر غرينسبان على موقفه حيال الفرص المتزايدة لدخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود، أبدى تفاؤله بمرونة هذا الاقتصاد وقدرته على تجاوز الوضع، ورفض قلق بعض الأوساط الغربية حيال نشاط الصناديق السيادية، مبديا أسفه لتفويت بلاده بعض الفرص الاستثمارية معها.
واسترجع غرينسبان، الذي كان يتحدث الاثنين الماضي على هامش «منتدى القادة» الذي عقد في أبوظبي، ما توقعه قبل فترة عن دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة ركود، مشيرا إلى أن نسب النمو الحالية تكاد تكون معدومة.
وتناول غرينسبان ملف ربط العملات الخليجية بالدولار، ولفت إلى تأثير ذلك على التضخم من جهة وأسعار المواد غير النفطية من جهة أخرى، إلى جانب تأثير استثمار تدفق عوائد النفط الهائلة من جهة، ورؤوس الأموال الأجنبية من جهة أخرى.
وخلص غرينسبان إلى دعوة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعويم أسعار صرف عملاتها وتركها تتحرك بحرية لتخفيف ضغوط التضخم.
وتوقع غرينسبان أن يستمر الدولار في الترنح خلال الفترة المقبلة، مفضلا أن يشهد المستقبل ظهور أكثر من عملة قوية عالمية، وإن كان أشار إلى أن مصير العملات الكبرى لا يحدد سوى على المدى البعيد.
مقابل تحذيرات غرينسبان هذه، نقرأ تصريحات محافظ المصرف المركزي الإماراتي سلطان بن ناصر السويدي، فهو يعتبر أن أثر الربط بالدولار في الفترة السابقة كان «إيجابيّا،» إذ سمح لدول الخليج توحيد قيمة عملاتها أمام الدولار، واجتذاب مشاريع واستثمارات جديدة، متجنبا الحديث عن مستقبل سياسة الربط، وإن كان توقع تراجع نمو الإمارات والخليج بسبب تراجع الاقتصاد الأميركي والعالمي. لكنه تحاشى الحديث عن مسألة الربط.
وذكر السويدي في وقت سابق الشهر الماضي، أنه كان يخضع لضغوطات اجتماعية واقتصادية متزايدة لقطع ارتباط الدرهم بالدولار، إلا أنه غيَّر موقفه من تلك التعليقات بعدما اتفق حكام دول الخليج في قمة الدوحة، على الاحتفاظ بالارتباط بالدولار، وإبقاء كل المحادثات بشأن الإصلاح النقدي سرية.
الأمر الذي يجعل العلاقة مع الدولار تكتسب المزيد من الأهمية بالنسبة إلى العملات الخليجية، هو إنجاز مشروع توحيد العملة بحلول العام 2010، وهو أمر بات مستبعدا بعد الخطوات الأحادية التي قامت بها كل من الكويت على صعيد فك الربط بالدولار بالنسبة إلى الأولى وإعلان عدم القدرة على الوفاء بمستلزمات الوحدة في الوقت المحدد بالنسبة إلى الثانية.
وما إن أكدت الكويت استمرارها في فك عملاتها بالدولار، حتى سارعت الجهات المصرفية الخليجية إلى تأكيد أنها لن تحذو حذو الكويت لهذه الناحية، إذ قال محافظ البنك المركزي العماني حمود بن سنجور الأحد إن بلاده «ملتزمة بإبقاء ربط عملتها بالدولار» وهو أمر وافقه فيه محافظ مؤسسة نقد البحرين رشيد المعراج الذي أكد بدوره عدم إجراء أي تغيير في سياسات بلاده النقدية.
كما أكد محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني في وقت لاحق «عدم وجود أي خطط لتغيير سعر الصرف مقابل العملة الأميركية» وذلك بموازاة موقف سعودي مماثل وآخر من محافظ المصرف المركزي الإماراتي سلطان ناصر السويدي.
وإلى جانب مسألة توحيد العملة، هناك المعضلة الثانية المتمثلة في مواجهة التضخم، وهو أمر معقد نظرا إلى ارتباطه بمؤثرات محلية وخارجية، وفي مقدمتها الربط بالدولار المتراجع واضطرار مصارف المنطقة المركزية خفض فوائدها تماشيا مع قرارات الاحتياطي المركزي الأميركي.
بالإضافة إلى عوامل التضخم الداخلية، وعلى رأسها ارتفاع كلفة الإيجار والتدفقات النقدية الكبيرة المتأتية من ارتفاع سعر النفط والإنفاق الحكومي المتزايد.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2002 - الخميس 28 فبراير 2008م الموافق 20 صفر 1429هـ