للمحامين آداب رفيعة للمرافعة أمام القضاء، ولدتها التقاليد، وهذه الآداب تدركها سلامة الفطرة ويصقلها طول التجربة، فكلما ازدادت خبرة المحامي في العمل، كلما اكتسب من هذه الآداب المزيد. وهي كثيرة تجتزئ منها ما يناسب المقام.
فعلى المحامي أن يضع في اعتباره أنه وإن كان يخاطب في القاضي جانب العدل الإلهي، إلا أنه يجب ألا ينسى أن القاضي بشر، وإن قوله الفصل في النزاع القائم أمامه. وإن أمانة المهنة توجب عليه، كمحام، أن يحسن عرض دفاعه عن موكله أو قضيته على القاضي ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وكل تقصير في ذلك يعد خيانة لهذه الأمانة وعلى المحامي من ثم، وتحقيقا لتلك الأمانة أن يجتذب القاضي بفكره ووجدانه، دون إثارة أو استثارة أو غضب أو إغضاب؛ ذلك أن احترام المحامي للقاضي هو من قبيل تقديسه لمهنته، وهي الدفاع الذي تناولته الدساتير والمواثيق الدولية؛ إعظاما له وإجلالا لقدره. وحتى يعد المحامي أمينا، وناجحا في آن معا، لابد وأن يتحسس مشاعر القاضي الخفية، ويلتمس الطريق لمخاطبة عقله وقلبه، فيطنب في حديثه - بلا إملال- حين يحتاج البحث للإفاضة والشرح، ويوجز - بلا إخلال - حيث ينبغي الاختصار، أو عند ما يمر على مالا يحتاج لبيان أو لكثير تبيان، كما أن على المحامي أن يلتمس التأجيل إن آنس تعبا أو إرهاقا من القاضي إبان مرافعته، وأن يبتعد عن الصياح والتمثيل والعويل، ويدرك أن مرافعته موجهة للقاضي وليست خطابا للجمهور؛ ذلك أنه وإن قيل بجواز أن يصب الخصم غضبه على خصمه الآخر معتذرا بأنه في موقع خصومة يكتوي بنارها، فإن على المحامي ألا يتجاوز نطاق الدعوى، وأن يتنزه عن التردي في الإساءة إلى الخصوم أو لزملائه من المحامين. ذلك أنه يجب أن يكون المحامي عف اللسان جم الأدب، واسع الصدر حليم النفس. يطلق لسانه بالحجة المعتزمة ويخرسه عن فحش القول وبذيء الكلام.
ولما كانت المرافعة موجهة للقاضي أصلا كما تقدم، فلا مجال لإطالة البحث في المسائل القانونية، وإنما مجرد التعرض لها، وترك بحثها تفصيلا للمرافعة الخطية، مع وجوب أن ينفذ المحامي لموضوع النزاع بلا مقدمات لا يحتاجها المقام، ودون تكرار لما سبق إبداؤه منه أو من زميل يشاركه المرافعة.
ثم أن حسن مظهر المحامي توقير لرسالة مهنة المحاماة، وإجلال للمحكمة. وعلى المحامي أن يحسن الجلوس والاستماع في قاعة الجلسة، دون تشاغل بأي شاغل، مع موكله أو زميل له أو أي كان، فليس من اللياقة مثلا، أن يقرأ صحيفة أو يدخن، وعليه عندما يدخل قاعة المحكمة أن يلجها بهدوء ولا يخرج منها قبل استئذان رئيس المحكمة، ولا يسوغ مخاطبة المحكمة إلا واقفا متأدبا في حديثه وأن يكون طلبه التماسا، وسؤاله رجاءا، وألا يعكر على المحكمة إدارتها للجلسة، ولا يقاطع المحكمة أو الشهود أو الخبراء، ولا يوجه سؤالا لأحد إلا عن طريق المحكمة، وألا يقف في أروقة المحاكم، أو بباب قاعات الجلسات متسكعا، بل عليه أن يلزم غرفة المحامين إن شاء الانتظار بالمحكمة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 2002 - الخميس 28 فبراير 2008م الموافق 20 صفر 1429هـ