العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ

إفلاس المسرح

غابت الرؤية الفنية الجيدة والمبدعون

تعرض قاعات السينما في تونس هذه الأيام فيلما يصنف على أنه فيلم سينمائي، على أنه في الحقيقة لا يعدو أن يكون مسرحية صورها المخرج بطريقة سينمائية، وفي واقع الحال هذا الفيلم وعنوانه «جنون» هو في الأصل مسرحية عرضت على المسارح التونسية منذ سنوات ثم انتهى أجل «صلاحيتها» لتعود هذه السنة في ثوب سينمائي مسرحي، ذلك أن من يشاهد الفيلم يلاحظ وضوح الرؤية المسرحية والإخراج المسرحي وحتى الأداء المسرحي والديكور المسرحي.

يقول التونسي فاضل الجعايبي، وهو مخرج فيلم «جنون»، في أحد لقاءاته التلفزية، إن إخراجه للمسرحية في ثوب سينمائي لا يهدف إلا إلى منحها فرصة المشاهدة من قبل أكبر عدد من المشاهدين، وفي اعتقادي الشخصي أنه وفّق في تحقيقه لهذا الهدف ذلك أنني شاهدت الفيلم في الأسبوع الرابع لعرضه ومع ذلك كان الحضور الجماهيري كبيرا.

تجربة الفاضل الجعايبي، وهو المخرج المسرحي بالأساس، في مجال السينما، إن صح لنا القول، لا تحيل إلا إلى الواقع المر الذي يتخبط فيه المسرح العربي بمختلف اتجاهاته ومدارسه وما يعيشه من إشكالات، أهمها على الإطلاق عزوف الجمهور عن متابعة الأعمال المسرحية.

وفيما عدا المسرح الهزلي أو الفكاهي لا تلقى بقية الأعمال المسرحية قبول لدى الجماهير العريضة، فبات المسرح الجاد اليوم، مسرحا للنخبة، إن لم نقل إنه مسرح لا يشاهده إلا العاملون في المجال المسرحي أيضا.

المتأمل في برمجة المهرجانات الثقافية العربية، يلاحظ هذا التغييب المتعمد للأعمال المسرحية، أما إذا صادف وتضمن برنامج مهرجان ما عروضا مسرحية فهي بالتأكيد مسرحيات هزلية أو استعراضية، ذلك أن هذين الصنفين فحسب من الأعمال المسرحية هما المؤهلان لتأثيث سهرة أو أمسية في إطار مهرجان ثقافي عربي.

قد يعزى سبب تراجع حضور الفن الرابع على مستوى الساحة الثقافية إلى أسباب كثير أهمها على الإطلاق عدم تلاؤم الموضوعات المطروحة في الأعمال المسرحية «الجادة» مع اهتمامات المشاهدين، فالمشاهد العربي (ولا أقصد هنا المشاهدين النخبويين) لا يتحمل طرح المشكلات بطريقة موغلة في الجدية في ظل نمط الحياة الحالي. لكننا لا يمكن أن نهمل عنصرا مهما ساهم في «إفلاس» المسرح العربي سواء فيما يتعلق بعدد الأعمال المسرحية أو في رفعة مستواها الفني، لا يمكننا أن نتغاضى عن عنصر غياب الكفاءات المسرحية على مستوى النص المسرحي أو الإخراج أو الأداء، ذلك أن المسرح يكشف كل تهاون أو استسهال في صوغ العمل الفني، ففي المسرح لا يوجد «خافي عيوب» كما هو الأمر في التلفزيون أو السينما.

وعلى رغم أن الكثير من البلدان العربية تحرص على بعث معاهد للفنون المسرحية، فإن واقع الحال لا يدل بالمرة على أن هذه المعاهد والمدارس أتت بأكلها وحققت المرجو منها، ذلك أن غالبية خريجي هذه المعاهد يتوجهون إلى العمل في التلفزيون أو السينما.

قد يقودنا ما أسلفنا ذكره إلى السؤال عن جدوى تنظيم مهرجانات مسرحية في أقطاب عربية كثيرة، وبصيغة أكثر وضوحا لنا أن نتساءل:« إلى من تتوجه هذه المهرجانات أو مَنْ الجمهور الذي يحرص على مشاهدة العروض المسرحية المبرمجة في هذه المهرجانات المتخصصة؟».

من واقع تجربة خاصة، لنا أن نجزم بأن جمهور هذا الصنف من المهرجانات، يتلخص في العاملين في المجال الفني من فنانين ومخرجين ثم طلبة معاهد التمثيل والصحافيين وبعض جماهير ممن لها علاقة بالأطراف الثلاثة التي أسلفنا ذكرها.

لكن ماذا لو أن المهرجان متخصص في نمط المسرح الهزلي، وهي تجربة تفطنت إليها بضع دول وانطلقت في تجزيمها من خلال تنظيم مهرجانات للضحك أو المسرح الهزلي، ويلقى هذا الصنف من المهرجانات الإقبال الكثيف من مختلف الشرائح المجتمعية، في هذه الحال، الإقبال الجماهيري يكون منقطع النظير، ويا لها من مفارقة!

لا نقصد بما أسلفنا ذكره، أن نحط من شأن المسرح الهزلي فهو نمط قائم الذات من سنين، وهو صنف لا يستهان بدوره في توعية الشعوب وتسليط الضوء على ظواهر اجتماعية وسياسية حتى، ما قصدناه هو أن المسرح الفكاهي في حد ذاته لم يكن بمنأى عن الأزمة التي يعانيها القطاع ككل، فقد غابت الأهداف والرؤية الفنية الواضحة وحل محلها التهريج المجاني ليفقد بذلك الركح المسرحي هيبته ويصبح مرتعا للمهرجين.

العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً