العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ

العصي على الإمساك متعدد بين أطر «يوسف»

«زرقة فضاء فسيح يتخذه عليّ ملعبا لا يسع صيحاته وضحكاته، وسريرا لا يستر طفولته النزقة، الخارجة عن أي قيد أو قانون» كذا يقول أمين صالح في بورتريه عن الشاعر علي الشرقاوي، ومتطفلا عليه يداخل عباس يوسف المشهد، ليحد صيحات وضحكات الشرقاوي في أطر، وعلى لوحات تشربت إشراقة الألوان، وعبقت بالشرقاوي حسا ومضمونا ولونا.

معرضه الذي أضاء ليل الرواق بذوقه اللوني المميز، وحسه الأسطوري في توظيف الخط والطباعة والكولاج واللون في أعمال متناغمة، تعبر عن عباس يوسف وفق ما شاء لها أن تكون، لا لما شاء لغيره أن يراها، منطلقا من ذاتٍ آثرت الوهم منطلقا، لتجد منتهاها في أقصى نقاط الخيال.

من أين لك هذا؟

يجيب عباس يوسف قائلا: «جاء من الوهم الذي أعيشه، أنا مؤمن بالوهم على اعتباره حقيقة، وبالتالي مرحى بوهم يحرض ويدفع إلى الفضاءات الأرحب تجاه الأنثى، وأقول الأنثى لأن الحرف يبدو للوهلة الأولى أنه أنثى أيضا، الوهم يقود للجمال، لا يتبدل جماله إلا في هذه الكيانات والمواصفات».

يدفع يوسف بشقيقه علي الديري ليدلي على الحوار بدلوه، فيقول الديري: «الوهم يفتحك على منطقة الخيال، ويعيد الاعتبار إلى ما وراء العقل، تلك المنطقة التي حاول العقل أن يرذلها ويضع مقاييسه الصارمة للجمال».

يضيف الديري أن «الانفتاح على منطقة الوهم هو انفتاح على مقاييس جمالية أخرى تسمح لك كفنان أن تبدع أكوانا جديدة على نسب جديدة» فيداخل يوسف بالقول: «وليسقط العقل، البقاء للوهم».

الفنان عبدالجبار الغضبان داخل الحديث بالقول عن تجربة يوسف إن «عباس في هذا المعرض قدم تحفة فنية مغايرة عن أشغاله السابقة، وذلك لارتباطها بتقنيات مختلفة، وأقصد بين مفهوم الطباعة ومفهوم اللوحة الزيتية، فربط بين الغرافيك متمثلا في الحفر على الخشب وبين اللوحة اللونية».

يضيف الغضبان «أما على صعيد آخر، أسلوبه في ربط الحروفية المحدثة الجميلة وروح التجريد في الرسم، مكنه من أن يوظف المفاهيم الطباعية بتصرفات واعية تمكن من خلالها أن يقدم لوحة فنية مبنية على أسس متينة من التصميم الفني والتكوين الإبداعي الذي خرج عن النمطية في بناء اللوحة الفنية، وهذا التزاوج قدم لنا ألوانا على رغم تقشفها، إلا أنها غنية بمعطياتها الجمالية. في هذا المعرض يقدم لنا عباس تجربة تكاد تكون متفردة في خصوصيتها، وأتت هذه النتيجة بناء على نظرته للعمل الفني المبني على روح البحث والتجريب دون كلل أو ملل».

يدفع يوسف بالكاتب والمصور حسين المحروس لأن يعلق، فيقول الأخير: «تحب شخصا مثل عباس يوسف حينما يفاجئك بقلبه الكبير وذوق يبدو نادرا هذه الأيام، فهو دائم الالتفات على رغم انشغاله باللوحات لكنه لم يغفل قط عن أصدقائه في المرسم ولا يسهو عنهم، بل إنه ربما يداخله السهو في خصوصياته لكنه لا يسهو عن الاهتمام بأصدقائه».

المحروس مضيفا «المرسم ألمّ بمواقف كثيرة متداخلة، صار اللون واللوحات يتداخلان مع الكتابة والصورة الفوتوغرافية، أو حديث نقدي أو لفتة لكاتب صحافي يمتزج بنكتة سريعة تشعل اليقظة وتقلل الإرهاق البصري لعباس يوسف وعبدالجبار الغضبان، لتشكل استراحة للاستفسار عن طريقة أو بطلب أو مشورة، وكلما تقدمت التجربة في المرسم، يحدث تداخل بين الفنون البصرية، نطرح تساؤلات وتدخل بنا في نقاشات تتحول إلى أعمدة أو مادة تكتب أو اقتراحات لمشاريع مستقبلية».

ويسهب المحروس في الحديث بالقول إن «معظم أعمدة عباس من وحي حوارات المرسم، فهو صاحب أسلوب جديد، إذ إنه حينما يكتب العمود، يجد أن العمود سيكون له إضاءة مختلفة لو أضاف شخص فقرة تعبر عن رأيه في العمود، فيصبح للعمود أكثر من عين، ويصبح الموضوع (كثيرا) أي له كثرة بحسب الاصطلاح اللغوي».

ويجد المصور لنفسه مكانا بين الفرش واللوحات، فبين الحين والآخر يجد المحروس أن من الضروري حضور الكاميرا في تجربة عباس وعبدالجبار الغضبان على وجه التحديد، وذلك لالتقاط صور يحتفظ بها، إما لعمل قادم أو للتوثيق، وقد تصدرت المعرض صورة بورتريه لعباس الموسوي في مرسمه، التقطها المحروس، وحبذ يوسف أن تكون حاضرة بين لوحاته في المعرض.

يوسف مقدرا جهد المحروس الذي تكفل بكتيب المعرض قال: «قال لي المحروس: لا تهتم ولا تتذكر ما اسمه كتيب، الكتيب أنا، وعدّ ما سمعته منجزا، وإذا بالتصميم والمادة الخام والأوراق المزينة بنور اللوحات وبورتريه لعباس على ورق أبيض، والطامة الكبرى أن يفاجئك هذا المجنون بصورة لا يمكنك أن تتوقع أو تحلم بها».

معرضه كان تكريما للشاعر علي الشرقاوي؛ الشرقاوي الذي قال عنه أمين صالح إنه «حمرة كتابة لا تهدأ حتى في غفوة صاحبها. يضرمها، يؤججها، يدعها تتوهج لتضيء وتبهر. لأغنياته طراوة الآهة في حنجرة عاشق يضنيه الوله، ولقصائده نكهة الشهقة آن يلتحم الإنسان بالكون. مع ذلك لا ريشة تسعف المجازف برسم الصورة، ولا معجم يفي بالكشف عن جوهر الشخص» فهل رسمه يوسف؟

«علي الشرقاوي وردة الصمت الفرحة، شكرا له» كذا قال يوسف، مختتما حوارا غامضا، ليس لغموض الشرقاوي، ليس لعباس يوسف، ليس للوهم، ليس لأي شيء!

العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً