العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ

الليبراليّ محصور بين محتكري الجنّة والوطنية

في محاضرته بجمعية المنتدى... عبدالحميد الأنصاري:

المحاضر عبدالحميد الأنصاري الذي استضافته جمعية المنتدى في محاضرة عن المفاهيم الدينية ومستقبل التسامح الإسلامي خطا من خلال تحليل المواطن التاريخية التي شكلت الفكر المتطرف الذي يعاصره العالم العربي والإسلامي، واصفا الفكر المتطرف الذي يصل إلى الإرهاب بأنه «وليد ثقافة كره وفشل عند القيام بأي أمر».

وأوضح الأنصاري أن «الإنسان حينما يصل لحالة الإفلاس والفشل فإنه يدخل في مرحلة الهدم، والتطرف نوع من الفشل والعجز الذي لا يملك الإنسان حياله إلا أن يستخدم يده للدمار بعد فشله في مواجهة التحديات»، مضيفا أن «التطرف وليد نفس كارهة للحياة، لذلك يسترخص المتطرف البشر، وهذا الفكر موجود حتى خلال العصور الذهبية للإسلام، حينما كان الخوارج يستخدمون العنف، وتطور حتى بلغ حدا يوصف اليوم فيه بالإرهاب».

الأنصاري أكد أن «العصر الذي نعيش فيه ذو نمط متسارع لا يمكن أن يتكيف فيه المتطرف مع ما يدور حوله، لذلك يسترخص حياة الآخرين المحبين للحياة»، مؤكدا أن «المجتمعات التي لا تنتعش فيها ثقافة الفنون وما يبهج الإنسان تعاني بشكل أكبر من وطأة الإرهاب، فالافتقار في المجتمعات للموسيقى والفنون ومباهج الحياة يفرّخ الإرهاب والتطرف في أي مجتمع».

وبخصوص منطقة الخليج، ذكر المحاضر أن سكان المنطقة منذ سنين تاريخية طويلة كانوا يمتازون بالتسامح والتصالح مع الآخرين، إذ توجد في الخليج نحو 160 ثقافة ودين، كانوا متصالحين ومتجانسين مع بعضهم، طارحا سؤالا استفهاميا عن الأمر الذي جعل ثقافة الخليج تتحول إلى التطرف.

يجيب الأنصاري على تساؤله بأن الأمر كان وليد عدد من التيارات التي ظهرت خلال فترات متفاوتة عبر التاريخ، لخصها في خمسة تيارات هي «التيار الأول التكفيري الديني، وهو تيار إقصائي ديني يقصي الآخر ويتهم أي تطور بأنه بدعة أو ضلالة، والعقيدة الأصلية هي العقيدة المطلقة، وأما معتقدات الآخرين ففيها شيء من الشك والضلالة ويقومون باستباحة التقليل من شأن الأفكار الأخرى».

والتيار الثاني هو التيار الإسلامي السياسي، الذي عرّفه الأنصاري بالقول إنه «تيار ساهم بأطروحاته في تصوير الآخر وكأنما هو العدو، وهو سبب مشاكلنا، وهو من يريد أن يغزو ويمسخ المجتمعات ويقضي على الهوية ويغرق المرأة، موجها أفكارا تتضمن فكرة أن العالم يستهدف المسلمين، وأن المسلمين ما هم إلا ضحايا، ولذلك يركز هذا التيار على الصراع والمواجهة ودفع الشباب عبر الخطاب الديني للمقاومة، وهو تيار امتد لأكثر من 50 عاما».

وأوضح الأنصاري أن «الإسلام السياسي لا يكتفي بربط العداوة بالخارج، وإنما يجرها للداخل، فالمثقفون والليبراليون يجرّ لهم العداوة، نظرا لما يقومون به من الإسهام في نشر الأفكار والمساهمة في غزو العقول، كما يمتازون بادعاء فهم الدين كما التكفيريون، وبأنهم حماة الدين».

أما التيار الثلث الذي ساهم في نشر التطرف فقد وجده الأنصاري التيار القومي، وذلك نظرا للرسائل التي كان يوجهها بأن الآخر مزقنا ويهدد أمتنا، قائلا «إذا كان التيار التكفيري يكفر، فالفكر القومي يخون، لذلك فإن أنصار التيارات القومية بشقيها الناصري والبعثي قاموا بتخوين وتصفية الكثيرين ممن لا يتوافقون معهم».

وكان التيار الرابع هو التيار والفكر التحريضي، الذي استغلت معه المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية لتحريض الناس ضد الغير، والجميع يتعرض لمثل هذه الرسائل المباشرة وغير المباشرة، لذلك فإن حجم المناعة لهذه الأمور هي ما يكبح الشخص عن الانجراف وراءها.

وعلق الأنصاري على مجمل ذلك بالقول «المثقف الليبرالي محصور بين من يحتكر الجنة وبين من يحتكر الوطنية». وأضاف مستطردا «الإنسان لا يمكن أن يقبل بأن يصبح قنبلة بشرية إلا نتيجة معاناة ومأساة طفولية، أو شيء واجهه في الصغر، مثل أسرة مفككة أو أب متسلط يقودون إلى خبرات مثل تلك».

وعلق الأنصاري مداخلا من خلال محور إضافي أن هناك عوامل بين المتطرفين ساهمت في زرع مفاهيم مغلوطة حكمت الثقافة الإسلامية لدى البعض، اختزلها في خمس نقاط قائلا «المفهوم الأول هو الجهاد الذي كان له عبر التاريخ أكثر من مفهوم، فالبعض يفهمه بالحرب، والبعض يجده شاملا العلم والعمل والإصلاح الاجتماعي والسياسي، بينما الجهاد في اللغة هو بذل أقصى ما في الوسع، رغم ذلك نجد مفهوما عدوانيا مسيطرا على الشباب، إذ تم تشويه مفهوم الجهاد قديما على يد الخوارج حينما كانوا يقومون بقتل الصحابة، وأتى التشويه الآخر على يد من قاموا بتأسيس فكر الجهاد الهجومي على غير المسلمين وفرض الجزية».

أما المفهوم الآخر فهو مفهوم الولاء والبراء الذي ذكره القرآن في عدة آيات قرآنية، ووظفها العديد في شن حملات ضد الولاء للغرب، بدعوى «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب».

وذكر الأنصاري مفهوما آخر وهو مفهوم التكفير الذي استخدمه حتى المشايخ في تكفير بعضهم، ولم يعد الأمر مقتصرا على تكفير الليبراليين، إذ أوضح الأنصاري أن «الإسلام شديد في تعامله مع من يقوم بتكفير الآخرين، فهو يحمل ذنب كل التبعات التي يجرها له التكفير من تطليق وقتل ونفي خارج المجتمع، كما أن التكفير أمر مخالف للإرادة القرآنية، فقد خلق الله الناس مختلفين وهو الوحيد الذي يحكم بينهم بالحق».

وجاء المفهوم الرابع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي وضحه بالقول «حينما أرى أمرا مخالفا للدين يجب أن أستخدم كل السبل حتى يدي في إيقافه، ويبيح البعض لأنفسهم ارتكاب القوة، وذلك موجود حتى في بعض المناهج التعليمية».

المفهوم الخامس كان الحاكمية الذي صكه أبوالأعلى المودودي للرد على القائلين بأن الإسلام دين ديمقراطي، وذلك بأن الإسلام يجب أن يكون فيه حاكم يحكم الأمة، واستلهم هذا النص سيد قطب، وتأثر به الشباب من جماعات التكفير والجهاد، موجهين إلى أن حكم الدولة الحديثة ودولة المؤسسات أمر خاطئ، لأنه لا حكم إلا بشريعة الله كما عبر الأنصاري.

وكان آخر مفهومين طرحهما الأنصاري هما مفهوم الجاهلية ومفهوم العمليات الاستشهادية، إذ تأسس الأول على يد السيد قطب، وادعى فيه أن الأمة تعيش في أوضاع أسوأ من الجاهلية، داعيا إلى ضرورة إحياء دين الله ومواجهة الثقافات السائدة والقضاء عليها، بينما علق الأنصاري على مفهوم الاستشهاد بالقول «على مر التاريخ، لم يبح الإسلام قيام أحد بالانتحار لقتل عدوه، لأن قتل الإنسان المسلم لنفسه واستخدامه الجسد وسيلة جهاد هو أمر محرم عليه، ولكنه أصبح الوسيلة الأكثر شعبية وانتشارا وذلك لأن التكفيريين فتحوها للإسلاميين السياسيين وأصبح هذا الأمر واردا في العراق وأفغانستان، حتى بات الانتحاريين من يقتلون الأطفال بحجة أنهم نشء العدوان الذين سيحاربونهم في الغد».

وعلق الأنصاري مختتما «الناس أصبحوا يقتلون بعضهم بعضا، والكثير من الفتاوى هيأت الأرض للإرهاب، بينما الإسلام دين تسامح والكثير من آياته صريحة في الإعلان عن ذلك».

العدد 2001 - الأربعاء 27 فبراير 2008م الموافق 19 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً