هذه هي نتيجة الدوائر العامة التي بدأت في إفراز ثمارها المُرّة، وعلى البحرينيين أن يتجرّعوا الحنظل حتى تتشقق شفاههم.
في الفترة السابقة، أجهد كتاب وكاتبات الموالاة أنفسهم في تبرير تركيبة البرلمان المختلة، ونسبة تمثيل الدوائر الظالمة، وقدّّموا حججا واهية لا يقتنع بها حتى الأطفال. هذه «الكتيبة» ساهمت في الإساءة للحكم بترويج حججٍ لم يقل بها الحكم نفسه، من قبيل حاجة السلطة للاطمئنان على مصيرها، وكأن «الوفاق» هي الجيش الجمهوري الايرلندي، وليست جمعية سياسية رسمية تمثل قطاعا واسعا من الشعب، لها أهدافٌ معلنةٌ تسعى إلى تحقيقها بصورة سلمية، وهو ما فتئ أمينها العام علي سلمان يكرّرها منذ عودته للبلاد قبل سبعة أعوام.
كتيبة «الموالاة» التي غطّت على جريمة التجنيس لم تنتبه لأخطاره التي حذّرنا منها، إلاّ قبل شهرين بعد حوادث المحرق وجو وعسكر ومدينة حمد. وكما ضلّلوا السلطة بتبرير التجنيس فإنهم يضللونها اليوم بدفاعهم المتهافت عن تركيبة الدوائر الظالمة، وعليهم أن يقدّموا تفسيرا لما حدث أمس في البرلمان.
ما حدث أمس تحصيل حاصل لما أفرزته المراكز العامة من برلمان كسيح ومختل، تسيطر عليه النوازع والتجاذبات الطائفية. وما حدث هو انفجارٌ لما تراكم خلال الـ 15 شهرا الماضية، وإذا استمر التلاعب بالبرلمان بهذه الطريقة الطائفية غير المسئولة، فلا تنتظروا غير المزيد من الصواعق والهزّات.
كنا نحلم بأن يصبح البرلمان بيت الأمة الجامع وملاذها الآمن، تلجأ إليه لحل عُقَدِها ومشكلاتها وإزالة الشكوك من النفوس، فإذا به يتحوّل إلى ساحةٍ لتفجير الغضب المكبوت. والسؤال: إلى أين؟ ومن المستفيد من هذه اللعبة الخطرة؟ ومن المستفيد من سدّ جميع الطرق أمام «الوفاق» لمنعها من تحقيق أي إنجاز تقنع به شارعها المهمّش المطحون؟ وماذا تستفيد الكتل الثلاث التي ركبت رأسها وأجمعت على إسقاط التحقيق مع وزيرٍ تدور حوله على الأقل شكوكٌ يحتاج معها إلى إثبات براءة ذمة أمام الرأي العام؟ وهل فبركة «الشبهة الدستورية»، ستقنع أحدا بأن الكتل الثلاث إنما تدافع عن الوزير قربة لله تعالى ومن دون مقابل؟
رئيس المجلس خليفة الظهراني الذي أسبغ عليه محبوه أطنانا من المديح بالحكمة، لم يصمد أمس أكثر من عشر دقائق وترك المجلس يموج كالسفينة الغارقة، لأنه كان من الصعب أن يرد بكلمةٍ على الانتقادات الموجهة إليه في لحظة مكاشفة وصفاء. وعليه أن يستعد بعد اليوم لسماع المزيد من انتقادات زملائه النواب، إذا أصرّ على هذا الأداء المنحاز، أكثر من اتهامه بالسعي لإفشال المشروع الإصلاحي، وحرق البرلمان وجرّ البلاد إلى المحرقة كما قال أحد النواب. كما ان عليه أن يحضّر جوابا مقنعا للورطة القانونية التالية: كيف كان طلب التحقيق مع وزير معين العام الماضي دستوريا، وغير دستوري هذا العام؟ وهل من الصحيح ان المستشار عمرو بركات تم استبعاده لأنه كان مع دستورية التحقيق؟
الوفاق لم تكن تعارض استجواب وزير البلديات، لحرصها على هذه الأداة الرقابية التي تفرّط بها الكتل الأخرى المتذبذبة... ولكن «الوفاق» ترفض الكيل بمكيالين، وكانت قبل ليلةٍ واحدةٍ تفكّر بالانسحاب، وحسنا فعلت بالبقاء ومواجهة المشكلة، فربما يكتشف الآخرون أخطائهم ويصحّحوا مواقفكم، وليعلم العالم ما يجري من تلاعبٍ بالوطن ومصيره تحت قبة البرلمان المختطف.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2000 - الثلثاء 26 فبراير 2008م الموافق 18 صفر 1429هـ