في تاريخ 30 يناير/ كانون الثاني 2008، زعمت وزارة الصناعة والتجارة على لسان إدارة حماية المستهلك، أن ارتفاع الأسعار مشكلة خارجية، أي ليست مصطنعة من قبل بعض ضعيفي الضمير والجشعين من تجار، ووّسع البيان مزاعمه بالقول إن كلامه هذا مستند لدراسة حول مسببات القضية. فقد جاء في البيان الذي نشرته «الوسط» بالحرف الواحد: «وتنفيذا لتوجيهات الحكومة قامت الوزارة وعبر اللجنة الوطنية لمراقبة الأسعار بدراسة مسببات القضية وتحليلها، إذ تأكد أنها قضية خارجية وتعم جميع دول العالم».
فهل تبيّن للوزارة أن المنتجين في الخارج يرفعون الأسعار، مما يضطر تجارنا لرفع أسعارهم حتى يصح القول بان مشكلة الأسعار مشكلة خارجية لا ذنب للتجار ولا للحكومة فيها. ويجدر بشدّة ملاحظة أن الأسعار لا ترتفع بشكل تدريجي، بل ترتفع بشكل فجائي وسريع وفي فترات متقاربة جدا. وهل توجد دراسة تبيّن أن البضائع التي ترتفع أسعارها يوميا كلها تأتي من بلاد تتعامل بعملة اليورو، حتى يصح الإدعاء بأن عملتنا مربوطة بالدولار، ولأن الدولار قد ضعف أمام اليورو، فإن البضاعة التي نشتريها بالدولار، أصبحت بسعر أكبر؟ أليس من الغريب أنه بمجرد أعلنت الحكومة تخصيص 40 مليون دينار لدعم الأسر ذات الدخل المحدود، حتى تفاجئنا بارتفاع أسعار العديد من السلع المستوردة من الخارج؟ ثم هل من المعقول قبول تبرئة الحكومة حين تركت بعض التجار الجشعين يفعلون ما يشاؤون؟ ويا ليت الأسعار التي ما زالت ترتفع بشكل هستيري تتعلق بالسلع الترفية والكمالية التي يطلبها عادة الأثرياء، ولكن المصيبة أنها المواد الغذائية التي يرتفع سعرها.يمكن الصبر على الملبس والمركب المتهالك، أما الطعام فخط أحمر.كل شيء يرتفع بطريقة غير طبيعية، إذ كيف يُعقل أن يرتفع سعر بعض أنواع السلع 100 في المئة في غضون أقل من سنة؟
وحتى لو كانت الأسعار ترتفع نتيجة رفع المنتجين في الخارج لثمن بضائعهم كما يُفهم من بيان وزارة الصناعة والتجارة، والذي ننتظر أن تنشر دراستها التفصيلية التي تثبت هذه الدعوى، مع ذلك، كيف لا تكون الحكومة مسئولة عن الغلاء وهي التي رسمت ونفذت السياسة الاقتصادية، هذه السياسة التي أغرقت البلد بالعمالة الأجنبية الرخيصة التي أدت لانهيار أجور المواطنين، السياسة التي أدت لتحطيم الإنتاج المحلي الزراعي سابقا وجعلت البلد يستورد كل شيء، السياسة التي ردمت البحر في السبعينات بطريقة عشوائية، مما أدى لتوقف المياه العذبة القادمة من البحر إلى البر، فماتت النخيل وهي واقفة، وأصاب الدمار إثر هذا العمل الغير مخطط الحزام الأخضر، فأصبح حزام أصفر. ونفسها السياسة التي تقوم حاليا على تدمير الثروة السمكية بواسطة الردم الجائر للبحر، وقريبا قد يصبح السمك وجبة الأثرياء فقط بسبب المشاريع القائمة على الردم وشفط رمال البحر والقضاء على أماكن تكاثر الأسماك... فعلى صحة الفرض القائل بأن الغلاء والتضخم ظاهرة عالمية، فانه بالنسبة لبلدنا يعود في جزء كبير منه لسياسة الحكومة ومنهجها التنموي الذي قاد لزيادة التبعية للخارج، فصار كلّ الغذاء من خضروات وغيرها مستورد، ومن ثم يتحكم الخارج في أسعاره، فكلما زاد المنتجون أسعارهم، زادت الأسعار على المواطن... أليس كل ذلك سببه سياسة الحكومة؟ بجانب كل ذلك، تكريس الاعتماد شبه الكلي على الإيرادات النفطية في الموازنة العامة، حتى ارتفعت مساهمة الدخل من النفط من أقل من 50 في المئة قبل عقد من الزمان إلى 77 في المئة حاليا.فكيف يصح تبرئة الحكومة أو إخلاء مسئوليتها عن هذا الارتفاع في الأسعار؟ومن المسئول عما صدر من قوانين أدت لارتفاع أسعار الأراضي لأكثر من عشرة أضعاف في غضون أقل من عشر سنوات، وأصبحت أكثر الأراضي المتوافرة مجرد رأس مال يتم تداولها بين المستثمرين والمضاربين، وقليلا ما تقام عليها مشاريع إسكانية واستثمارية؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 2000 - الثلثاء 26 فبراير 2008م الموافق 18 صفر 1429هـ