العدد 2000 - الثلثاء 26 فبراير 2008م الموافق 18 صفر 1429هـ

خطوة واحدة تكفي للارتقاء بحوار أهل البيت الخليجي

مدير محطة فضائية خاصة انشرحت أساريره عندما أخبروه أن تلفزيون دولة الكويت أوقف ثلاثة برامج حوارية من دون أن يوضح الأسباب الحقيقية من وراء ذلك، ولما سئل عن السبب أجاب سنكسب جمهور هذه البرامج الذي كنا نفتش عن وسيلة لجذبه لشاشاتنا وها هو اليوم يقدم مجانا إلينا على طبق من ذهب!

الحوار يعكس أجواء المنافسات الحامية عبر السماوات المفتوحة ووسط معلومات تشير إلى أن وزارة الإعلام الكويتية بصدد الموافقة على إنشاء 20 فضائية جديدة وخمس محطات إذاعية والخير بالمقبل من الأيام...

الغريب في الأمر أن تذهب «الوزارة» باتجاه مغاير تماما لما يجري في محيطها وتحت سمعها وإشرافها، ففي الوقت الذي تمنع فيه تلك البرامج «ديوانية الأسبوع - 6 على 6 - مفترق طرق» تنشط الفضائيات الخاصة برفع سقف حواراتها وبرامجها الحوارية، وفي وقت تعج فيه الحياة السياسية بالنقاشات والمواجهات بين الأحزاب والكتل النيابية والتجمعات السياسية والدينية...

أي أن وجه الاستغراب يكمن بالتناقض الذي تسير عليه «السياسة الرسمية» في الكويت وهو بخلاف الاتجاه السائد في المنطقة ولدى الرأي العام الخليجي الذي صارت أنظاره تشخص نحو الآخر والمثير في آن معا...

يبدو أن حال البرامج الحوارية في تلفزيون دولة الكويت لم تعد تختلف كثيرا عن أقرانها في دول مجلس التعاون فما يجمعها أنها تتحدث لغة وخطابا لن يكون بمقدوره الصمود طويلا أمام الفضائيات المتجددة والبرامج الساخنة والحيوية التي تهبط على سماء الخليج من محطات «الجزيرة» و «العربية» و «الحرة» و «الأوربت» والـ «ال. بي. سي» وغيرها من الفضائيات...

قبل فترة أصدر «جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج» دراسة بحثية عن البرامج الحوارية في تلفزيونات دول مجلس التعاون خلص فيها إلى جملة من التوصيات بناء على النتائج التي توصلت إليها، منها أهمية الاعتذار عند إلغاء أي حلقة من حلقات البرامج الحوارية وتوضيح سبب الإلغاء وضرورة استخدام شكل «المناظرة» لمناقشة الموضوعات، وهو من أشكال البرامج الغائبة عن الشاشات الخليجية، وبتنوع مضمون تلك البرامج وبإشراك الجمهور لمزيد من المشاركة وتوسيع دائرة حرية الرأي... وهذا تشخيص مهذب جدا وواقعي للأمراض التي يعاني منها الجهاز الرسمي في منظومة مجلس التعاون وكأنه بذلك أراد أن يوصل رسالة لمن يعنيهم الأمر... إذا لم تعالجوا مشكلتكم وتستدركوا الأمر فقطار التجديد الحامل للحريات لن ينتظر أحدا منكم بل سيكمل سيره من دون أن يلتفت إلى الوراء... يتوقف عند إلغاء البرامج الحوارية لإذاعة بعض المناسبات والاحتفالات التي لا تتوقف على مدار السنة أو لنقل مباريات كرة القدم أو سباق الهجن الذي ينتظر عشاقه...

ودون التطويل واللف والدوران على الفكرة... يمكن القول إن المحطات الرسمية ستتحول إلى ديكورات للعرض إذا استمرت بإغلاق نوافذ النقاش والمحاورات من على شاشاتها، لأن الجمهور الخليجي لم يعد ينتظر بل هو أصلا وصل إلى مبتغاه، فمحطة «الجزيرة» بالدرجة الأولى ومهما كان نوع التقييم الذي تلاقيه باتت قبلة الجمهور الذي يفتش عن واجهة تشبع فضوله وتقترب منه بطرح قضاياه وكذلك محطات «العربية» والـ «بي. بي. سي» و «الحرة» و «الأوربت» وغيرها من المحطات...

والمسألة الأكثر حضورا في هذا السياق لم تعد مقرونة بوجود وزارة للإعلام أم بمجلس أعلى أم بغيره من الهيئات وإن كان هناك من يعتقد بأن إصلاح الإعلام لا يستقيم مع وجود «وزارة» لكن الحال يقول إن دولة الإمارات مثلا ألغت مسمى وزارة الإعلام واستبدلته بالمجلس الوطني للإعلام ومع ذلك مازالت الأجهزة الرسمية تخلو من برامج حوارية لديها القدرة على المنافسة والتأثير على غرار ما هو موجود عند جيرانها مثلا...

إذا الموضوع الجوهري يرتبط بالعقلية التي تدير هذا الجهاز وبسقف الحريات الذي يحتاجه وبنوعية الكوادر البشرية التي تؤدي الدور المطلوب، وفي الغالب فإن تلك المستلزمات تحتاج إلى البيئة الحاضنة لها بصرف النظر عما إذا كانت المهمة ستسند إلى وزارة أم إلى هيئة وإن اعتقد البعض أن الاستقلالية المالية وجو الحريات هما الركيزتان الأساسيتان للانطلاق والإبحار في عالم الحواريات والمناظرات ومن دونهما من الصعب أن تتاح فرصة التقليع أو المنافسة...

المفارقة هنا أن تكون في الكويت حريات صحافية ومجلس أمة منتخب ومنتديات مفتوحة لكنها تضيق ذرعا بالبرامج الحوارية التلفزيونية بل إنها تسلك طريق «للخلف در» في هذا الجانب، وبذلك تقدم صورة مضطربة لا تتوافق مع أجوائها السياسية والبرلمانية ودواوينها، وفوق هذا الانفتاح الكبير بعدد الفضائيات والإذاعات الخاصة والتي وصلت المنافسة فيها إلى حد يصعب التنبؤ باتجاهاته بعد الانتشار المتصاعد في زمن لا يتعدى السنة الواحدة، في حين أن النجاحات التي تحققت في محطات أخرى كـ «الجزيرة» مثلا لم تتوافر لها أرضية سياسية ونظام من الحريات يوازي ما هو موجود في الكويت، وهذا أيضا مدار نقاش وبحث يستوجب التفتيش فيه عن عوامل النجاح والتميز والقوة...

المتتبع لبعض البرامج الحوارية التي كانت تبث من تلفزيون دولة الكويت يجد أنها أشبعت مساحة لا بأس بها من الفضول والاهتمام لدى الرأي العام الكويتي والخليجي وتناولت قضايا ساهمت بإثراء الخلفية المعرفية للمشاهد وعرضت للاتجاهات والآراء المتباينة في شئون الساعة وبصورة نقلت ما يحدث في الدواوين وفي الشارع وفي الصحافة وبكثير من الحيادية والأمانة ولم تُخْفِ الحقائق عن المواطن والرأي العام أو تعمل على تضليله، بل بادرت إلى إشراكه وجعله طرفا فاعلا ومؤثرا في النقاش وإسماع صوته للآخر...

أتيحت لي فرصة قراءة ملخصات عن 56 حلقة من برنامج «ديوانية الأسبوع» الذي يقدمه شفيق الغبرا، وعلى مدار أكثر من سنة ونصف السنة وهي حلقات توزعت على الشئون السياسية والاقتصادية والمرأة والشباب والثقافة وجمعت الأضداد في حواراتها وناقشت بالعمق وبمسئولية وطنية مختلف النقاشات الخلافية وهي عناوين تجد صداها في الصحف والمنتديات الإلكترونية وفي قاعة مجلس الأمة.

لقد عبّرت الحلقات عن اتجاهات سائدة في المجتمع واستوعبت مختلف التيارات السياسية والدينية وفتحت حوارات علنية وأدارت مواجهات مكشوفة بين وزراء في موقع المسئولية وآخرين من المجتمع المدني، ومن خلال استعراض عناوين الحلقات هناك نسبة 90 في المئة عالجت موضوعات محلية و10 في المئة قضايا وأزمات إقليمية.

«ديوانية الأسبوع - 6 على 6 - مفترق طرق» نتاج لحوار أهل البيت وهو حوار انقطعت أوصاله في محاولة لم تكن موفقة بإغلاق هذه النوافذ التي عملت على إدخال الهواء وتغييره كلما احتاج الأمر إلى عقول المشاهدين بدلا من التضييق عليهم ودفعهم للتفتيش عن محطات منافسة تنتظر هذه اللحظة للاستحواذ على أكبر نسبة من الجمهور في سوق مفتوحة وبلا حدود...

يبدو أن الحجب لم يقتصر فقط على المواقع والمنتديات الإلكترونية التي طالت مختلف عواصم دول مجلس التعاون، ويكاد لا يمر أسبوع إلا ويكون هناك خبر عن حجب موقع ما، لكنها عدوى انتقلت إلى البرامج الحوارية في التلفزيونات الرسمية التي تسير في خط يثبت أنها عازفة عن المنافسة وترغب بتسجيل اسمها في خانة الغياب في سباق التأثير وكسب الرأي العام والمساهمة بتوعيته وإشراكه بالشأن العام ورفع سقف الحريات للخروج من دائرة ضاع الرأي العام الكويتي والخليجي...

خطوة واحدة تكفي للارتقاء بمستوى البرامج الحوارية، فلا تقفلوا نوافذ الحريات فهي الكفيلة باكتساب هذه المجتمعات دافعا للتغيير نحو الأفضل.

فقط تحتاج إلى من يقف بشجاعة ومسئولية في مواجهة المتوهمين بأن عبور الجسر قبل الوصول إليه هو خشبة الخلاص وسفينة النجاة لمستقبلهم واستقرارهم هم...

العدد 2000 - الثلثاء 26 فبراير 2008م الموافق 18 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً