الرياضة لغة تخاطب سامية بين الشعوب، وأداة للتقريب والتفاهم، وأسلوب حضاري للحوار، وهي أيضا دليل على تقدم ورقي أية أمة في هذا العالم الواسع.
الرياضة بمفهومها الإنساني الراقي البعيد عن السياسة وتصادماتها، والبعيد كذلك عن الصراعات الاقتصادية والاجتماعية هي ربما أرقى ما أنتجته البشرية من أدوات للحوار والتفاهم.
فيوم كانت الحرب الباردة على أشدها بين المعسكرين الشرقي والغربي سياسيا واقتصاديا وعلميا كانت الرياضة وتحديدا الألعاب الأولمبية الشيء الوحيد ربما الجامع بينهما والتي تظهر من خلاله كل أمة إمكاناتها وقدراتها وما توصلت إليه من تقدم من دون الحاجة إلى إراقة الدماء وظلم الآخرين.
لقد كانت الرياضة وما زالت رفيعة الشأن وأعلى من أن تلوث على رغم بعض المنغصات والفضائح التي شابتها من هنا وهناك.
في كأس العالم 1998 في فرنسا التقى المنتخبان الأميركي والإيراني في مواجهة متواضعة كرويا ربما لكنها كانت الأشهر في ذلك المونديال لما يملكه البلدان من سجل عدائي كامل في مواجهة بعضهما بعضا ومع ذلك تبادل اللاعبون الورود قبل المباراة وخرجوا بكل روح رياضية بعدها وسط احترام العالم وتقديره، لتؤكد الرياضة أنها أكبر من السياسة ومشكلاتها.
على المستوى الإنساني كانت الرياضة أيضا حاضرة في مختلف المجالات الاجتماعية والإغاثية، ولعل من أبرزها يوم لعب المنتخب البرازيلي بطل العالم وبكل نجومه في هاييتي مع ليعطي شعب هذا البلد الأمل في الحياة بعد أن كاد يفقده بسبب الحرب الأهلية والصراعات التي مزقته.
في الدول الإفريقية الفقيرة والتي تحاصرها المشكلات من كل جانب وتفتك بها الصراعات، كان للرياضة أيضا وتحديدا كرة القدم الدور الأكبر في إيقاف هذه الصراعات وتحييدها، إذ كانت فوهات البنادق والمدافع في تلك البلدان لا تقف إلا عندما يلعب منتخب بلادها مباراة في كرة القدم، حينها فقط يلتف الجميع حول المنتخب وينسون بنادقهم خلفهم!
الرياضة لغة سامية وحضارية وهي أكبر من الفوز والخسارة أو التأهل لكأس العالم من عدمه، لأن هدف الرياضة ليس الانجاز فقط وإنما التعبير عن ثقافة شعب وأخلاق أمة.
وهنا يستوقفني دائما ما فعله مدرب فريق الأرسنال الانجليزي أرسين فينغر عندما رفض فوز فريقه بهدف من دون مقابل في الدور ثمن النهائي لكأس إنجلترا قبل عدة سنوات وطالب بإعادة المباراة على رغم فوز فريقه بهدف الفرنسي باتريك فييرا.
في تلك المباراة أصيب لاعب من الأرسنال فأخرج الفريق المنافس الكرة خارج الملعب فأعادها فييرا إلى حارس الفريق الخصم الذي فشل في إمساكها ودخلت مرماه وفاز الأرسنال بهذا الهدف، إلا أن فينغر ومن ورائه النادي رفضوا فوز فريقهم وطالبوا بإعادة المباراة لكي لا تسقط الأخلاق الرياضية!
فييرا لم يكن متعمدا أن يضع الكرة في المرمى، والفريق الخصم لم يطالب بإعادة المباراة إلا أن روح الرياضة ورقيها فرض على فينغر والأرسنال المطالبة بإعادتها وفعلا أعيدت المباراة.
الأخلاق من الممكن أن تسقط في الرياضة من خلال تصرفات (البعض) المشينة، ولكن أن تسقط الرياضة...، نعم تسقط الرياضة نفسها وليس أخلاقها فتلك هي الطامة الكبرى.
هذا ما فعله الألمان سابقا في كأس العالم 1982 عندما أعطوا الفوز للنمسا لإخراج الجزائر من البطولة وظلوا نادمين طوال تاريخهم؛ لأن أحدا لم يغفر لهم هذا الأمر، ويتكرر ذلك مجددا وهذه المرة من أشقائنا الكويتيين الذين أخرجونا بدم بارد!
مهما كانت الخلافات بين الاتحاد البحريني لكرة اليد والاتحاد الآسيوي ومن هو المخطئ والمصيب، فإن ما حدث في أصفهان سيظل عالقا في الأذهان، وسيظل محل ازدراء الجميع وليس فقط البحرينيين وإنما أيضا الكويتيين والإيرانيين الذين سيظلون نادمين على ما حصل.
سقوط الأخلاق قد تعالجه الرياضة، ولكن عندما تسقط الرياضة... فلا عزاء لنا!
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس"العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ