لفت نظري وأعجبني وأنا أقدم دورة تدريبية لبعض المواطنين عندما تحدثوا عن أوضاعهم المادية.
وشغلني كثيرا وضع هذا العامل البحريني الذي لم يتقاعس ولم يهرب من قدره؛ بل اجتهد وعمل في جميع الأعمال المناط به تأديتها... ولم ينظر إلى مكانته بل قام بالتركيز والانتاجية في عمله.
قال أحد المتدربين إنه بدأ عمله بائعا في أحد المطاعم، وآخر قال إنه حصل على بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية ولكن انتهى به المطاف إلى تسويق سلعة معينة، وثالث اشتغل في محل ملبوسات، وأخت قالت إنها عملت سائقة للسيارات الثقيلة. وإلى أولئك، نطوف ببعض محطات الوقود ونجد المواطنين العمال يشرفوننا بعملهم في تزويدنا بالوقود، وتجد البسمة لا تفارق وجوههم.
نجد العامل البحريني يعمل في كثير من الأعمال منها بيع بعض الورود أو الماء أو القيام بغسل السيارات... إلخ، وهنا نسلط الضوء على هذا العامل البحريني الذي يكد نهارا وليلا في أعمال تم تقديرها على أن عائدها المادي أقل من خط الفقر في البحرين كما أشارت إحدى دراسات مركز البحرين للدراسات والبحوث.
إن هذا الإصرار على العمل ليس غريبا على المواطن البحريني، لأن آباءنا وأجدادنا مارسوا مهنا وأعمالا كثيرة منذ أكثر من قرن؛ منهم السباك والبناء والمراسل... وقد عمل كثير من أهلنا في السعودية والكويت والإمارات بحثا عن لقمة العيش الطيبة لنا. عملهم هذا مفخرة بحرينية وإن كان عملا صعبا ويحتاج الى جهد جسدي.
نعم، إنكم مفخرة بحرينية بكل ما في الكلمة من معنى، فلو تمت مقارنة الشباب البحريني بغيره من أبناء الدول القريبة فسنجده عاملا صابرا وملما بمهنته وباسما وهو يؤديها، ولا يكل ولا يمل.
من خلال هذا العرض أتساءل: أين المجتمع البحريني وعلى رأسه حكومتنا في مساعدة هؤلاء العمال وحفظ حقوقهم؟ هل قانون العمل البحريني يردع رب العمل من استغلال وضعه في زيادة العبء على العمال؟ هل القانون يحفظ لهم حقوقهم في العمل؟ وما إلى ذلك من تساؤلات كثيرة... وإننا إذ نطرح قضية العامل المواطن فإننا نطمح بذلك إلى أن يتوجه المسئولون في الدولة الى الاهتمام بهذه الكوادر البحرينية، التي اضطرتها الظروف الى التعايش مع ظروفها الصعبة والعمل في بعض الأعمال ذات العائد المادي المنخفض والتي لا يقبل بها بعض المسئولين في الدولة لأبنائهم وأهلهم العمل فيها.
في الحقيقة نفتخر بوجود هؤلاء الذين شقوا حياتهم وعملوا في جميع المهن والأعمال التي لا تتناسب وشهاداتهم وخبراتهم حتى لا يكونوا عبئا على الدولة أو المجتمع (أسرهم)، ولم يعتدوا على أحد، وإنما المجتمع اعتدى عليهم بنسيانهم تارة، وبالاستهزاء بعملهم تارة أخرى.
أعتقد أن وزارة العمل يجب أن تولي اهتماما أكبر بالشباب؛ ليس فقط من خلال مراكز التوظيف التي أقامتها في كل محافظة، بل التوجه الى إصدار بعض القوانين التي حثت عليها دراسة خط الفقر، لحفظ حق المواطن البحريني الذي رضي بهذه القسمة، كما نعلق أمنياتنا على النواب من أجل الإصرار على توظيف الجامعيين في الأماكن المناسبة لمؤهلاتهم، فهذا العامل المهندس سينسى الهندسة في دوامة تسويق السلعة، وهذا يعتبر استنزافا اجتماعيا حقيقيا ويعتبر في نهايته تغليفا للبطالة.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ