«وثيقة مبادئ تنظيم البث الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية» التي أقرها وزراء الإعلام العرب (ماعدا قطر) يمكن النظر إليها من عدة جوانب. فمن ناحية، فإن صناعة الإعلام العربي مقبلة على مرحلة جديدة بعد تزايد عدد الفضائيات إلى المئات، وستكون هناك مئات أخرى من القنوات جاهزة للانطلاق مع انتقال التكنولوجيا القديمة في بلدان عربية رئيسية إلى التكنولوجيا الرقمية التي لا يمكن محاصرتها (أو تنظيمها) إلا من خلال إطار واسع يهدف إلى الصعود بمهنة الإعلام وإبعاد الخرافات والشعوذة والإباحة الجنسية عن أجيالنا وخصوصا أن التلفزيون يتموضع في غرف الجلوس والنوم ويدخل إلى كل مكان من دون استئذان.
إننا بحاجة إلى تنظيم البث لمراعاة الجوانب الثقافية والاجتماعية المشار إليها أعلاه. كما أننا بحاجة إلى تنظيم المنافسة على الإعلانات وعلى إيصال الخدمات إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن. وحاليا، فإن سوق الإعلانات العربية غير منظمة ومن يربح أو يخسر ليس سببه بالضرورة مستوى ما يقدمه للجمهور.
إننا أيضا بحاجة إلى تنظيم للإعلام العربي لكي نحفظ التنوع والتعددية ونراعي حقوق الأقليات والفئات المحرومة والمعوقين وكل فئات المجتمع ومكوناته.
إننا بحاجة إلى تنظيم مستوى الخدمات والمحتويات، بحيث يشتمل على جوانب مهمة مثل مكافحة التدخين وحماية البيئة وترغيب الناس باللغة العربية وتعريفهم بتاريخهم المشترك وحضارتهم.
كل هذه الأمور مطلوب تنظيمها، ونأمل في أن نصعد بمستوى الإعلام العربي لكي ينافس الاعلام العالمي ولكن الخشية أن ميثاق الإعلام العربي الذي وقعته الدول العربية ليس همه سوى أمر واحد هو حماية مسئولي الحكومات من الانتقاد ومنع المعارضين من إبراز وجهة نظرهم للجمهور العربي.
فالبند السابع من الميثاق الذي تم توقيعه في 1 فبراير/ شباط الجاري ينص على «الالتزام بالموضوعية والأمانة واحترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية وعدم تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح»... وهذا هو مربط الفرس. فالميثاق جميل جدا، ولكن هذه المادة ستحرم المواطنين العرب من معرفة الرأي الآخر الناقد لقادة دولهم، وهذا الميثاق عندما يتحول إلى قوانين في البلدان العربية سيعطي الحصانة لأي شخصية يعتبرها وزراء الإعلام من «القادة والرموز».
إن اتفاق الدول العربية في 2008 على أمر ما غريب جدا، لأن الدول العربية لم تتفق من قبل على شيء إلا قبل عشر سنوات في العام 1998 عندما أقر جميع وزراء الداخلية العرب اتفاق تبادل المعلومات عن المطلوبين ومكافحة المعارضين أينما حلوا وارتحلوا.
إن أملنا ألا يكون اتفاق المسئولين العرب لا يتحقق إلا إذا تعلق الأمر بالشئون الأمنية أو لمنع حرية التعبير، وأملنا في أن ندخل العالم الجديد للفضائيات من دون الخشية على المسئولين الذين من المفترض أن يتعرفوا على أخطائهم بالاستماع للرأي الآخر.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ