العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ

التجارة العالمية تبدأ من الداخل

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

انتهت قمة لشبونة - التي طال انتظارها - بين الاتحادين الأوروبي والإفريقي إلى طريق مسدود، بقيام الأفارقة باتهام الأوروبيين بأنهم يزاحمون للدخول في الأسواق الإفريقية، بَيْد أن لغة القمة المنمقة قامت بحجب نقطة مهمة إلى حد كبير وهي إن قارة إفريقيا سوف لن تحقق النمو على الإطلاق في الوقت الذي تقوم حكومات دولها بفرض قيود على التجارة بين دولها نفسها، سواء قام الاتحاد الأوروبي بالتعامل التجاري معها أو لم يقم.

وبالنسبة إلى الصادرات الإفريقية، تساهم بما نسبته 2 في المئة فقط من التجارة العالمية، ولكن - بحسب أرقام منظمة التجارة العالمية - ما نسبته 10 في المئة فقط من هذه الصادرات تتم ضمن القارة الإفريقية. ومع ذلك، إن ما نسبته 70 في المئة من التعرفات الجمركية التي يتم دفعها من قبل الأفارقة قد تم فرضها من قبل حكومات في دول إفريقية أخرى. وما يطغى على ذلك هو أن تقوم حكومات دول صحارى إفريقيا - على الأرجح بمقدار ثلاثة أضعاف - بتطبيق حواجز غير جمركية أكثر مما هي عليه في دول غنية، حسبما تشير أرقام البنك الدولي. وبموجب أرقام البنك الدولي، إن إزالة تلك الحواجز قد تعمل على تعزيز التجارة بين الدول الإفريقية بنسبة تتجاوز 50 في المئة.

لا تعترض اتفاقات الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي التي هي موضع الجدل على الحواجز التجارية التي تحول دون حصول الشعوب الإفريقية على منتجات هي في أمس الحاجة إليها، كالأدوية أو الأسمدة. فعلى سبيل المثال - بحسب منظمة الصحة العالمية - قامت إثيوبيا بفرض ضرائبَ يصل إجمالها من 20 في المئة إلى 40 في المئة على الأدوية المستوردة، وهي بهذا الشكل تقوم بفرض ضريبة على المرضى. وعلى نحو مماثل، إن الأسمدة المستوردة الرخيصة ستدر أغذية بدرجة أكبر وأكثر رخصا. فإذا كانت الحكومات الإفريقية جادة بالنسبة إلى تلبية «أهداف التنمية الألفية»، فإن تحرير التجارة في هذه الأقاليم سوف لن يكون مجرد ضرورة اقتصادية بل واجبا أخلاقيا.

ومن ناحية أخرى، سيكون من الصعب تفكيك هذه الحواجز التجارية في الوقت الذي تقوم مجموعات أصحاب النفوذ المحليين بالضغط بخصوص تطبيق مبدأ الحمائية. وتحت ذريعة «تشجيع بدائل محلية»، تمكن القطاع الزراعي في نيجيريا من الحصول على فرض حظر على مستوردات القمح والرز والذرة والزيت النباتي، حتى إن كانت تلك المواد المستوردة أكثر رخصا إلى درجة كبيرة بالنسبة لـ11 مليون نيجيري من المحرومين من التغذية الكاملة. ومع ذلك، إن هذا البلد العملاق مازال غير مكتفٍ ذاتيا بالنسبة إلى الغذاء بعد مضي 30 عاما من متابعة هذا الوهم.

وهناك مسألة الهواتف النقالة التي ستبيّن ما الذي يمكن أن يحدث من دون وجود الحمائية. ففي دول - مثل كينيا - وصلت الهواتف النقالة إلى الملايين، وكان ذلك على وجه الدقة بسبب عدم قيام الحكومة بالتلاعب بالسوق من خلال فرض تعرفات جمركية وإعانات حمائية. وبناء عليه، قامت شركات أجنبية ومحلية بالتنافس فيما بينها بغرض نشر الشبكة بعيدا حتى إلى مناطقَ ريفيةٍ.

وكانت الهواتف النقالة قد أعطت أصحاب المبادرة - بدءا من المزارعين إلى غاية سائقي سـيارات الأجرة - صلاحية استخدامها للحصول على معلومات حقيقية وفورية عن الأسواق المحلية والفرص التجارية. وفي دراسة قامت بها جامعة لندن للأعمال أخيرا، تم الكشف عن أن مقابل كل عشرة أجهزة هواتف نقالة إضافية لكل 100 فرد، سيكون من الممكن أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6 في المئة سنويا.

ولكن الحكومة الإثيوبية تفضل فلسفة «التجارة العادلة». فهي تعتقد بأن احتكار الدولة «مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية الإثيوبية» سيكون بحاجة إلى بضع سنوات أخرى من الحماية قبل أن يتم تحرير ذلك القطاع في العام 2010. ويأتي ذلك بعد عقود من عدم الفاعلية والإخفاق التام والصريح في تقديم خطوط اتصالات ثابتة أو تقديم تغطية هاتفية نقالة إلى ما يزيد على 1.2 في المئة من السكان، الذين هم مقيمون بشكل رئيسي في المدن.

إنه لأمر يدعو إلى السخرية أن دولا إفريقية تقوم حاليا بالاستدارة نحو الصين بغرض الاستثمار، وكانت الصين قد أمضت عقودا من السنوات في ملاحقة الحصول على اكتفاء ذاتي اقتصادي بَيْد أنها تقوم بتسريع الإصلاحات التجارية، وتخفيضاتها الهائلة الأحادية الجانب في تعرفتها الجمركية قد ولّدت نموا اقتصاديا قارب نسبة 9 في المئة سنويا، أدت إلى جعل 400 مليون مواطن ينهضون بأنفسهم خروجا من الفقر. وتعتبر الصين في الوقت الحالي ثاني أضخم اقتصاد في العالم.

إن تحرير الاقتصاد مع العالم الخارجي سيرفع الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي بمقدار 120 مليار دولار سنويا، بحسب نشرة «أوكسفورد للتنبؤات الاقتصادية»، إلا أن السياسيين وأصحاب النفوذ يخشون التنافس مع اقتصادات الدول المتطورة. وعلى رغم ذلك، فإن تحرير التجارة البينية - بين الدول الإفريقية وحدها - سيعطي عائدا بمقدار الثلث الكامل من هذه المنافع، حسبما أظهرته دراسة قام بها معهد «كيتو» للأبحاث في واشنطن.

إذا رغبت الدول الإفريقية في محاكاة نمو الصين، فعليها أن تحذو حذوها، وتتوقف عن تقديم «الدلال» إلى صناعاتها المحلية، وتزيل تعرفاتها الجمركية من جانب واحد. وفي حال قيامها بذلك، فإن الأفارقة سيثبتون أن اقتصاداتهم يمكن أن تنمو بسرعة نمو أي اقتصاد آخر.

*باحث في شبكة السياسة الدولية في لندن،

والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1999 - الإثنين 25 فبراير 2008م الموافق 17 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً