العدد 1998 - الأحد 24 فبراير 2008م الموافق 16 صفر 1429هـ

أخيرا... عرفنا السبب الحقيقي

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

جفت الأقلام وهي تكتب عن ارتفاع الأسعار، وبحّت الأصوات وهي تصرخ لشدة حرارة نيرانها التي تزداد استعارا يوما بعد يوم، وأخيرا اكتشفنا أن لا جدوى من الكتابة والشكوى للحكومة بعد اليوم، وذلك بعد أن أصدرت إدارة حماية المستهلك بوزارة الصناعة والتجارة بيانها بتاريخ 30 يناير/ كانون الثاني 2008 الذي ردّت فيه على مقال الكاتبة سهيلة آل صفر والمعنون بـ «غياب الرقابة في مواجهة الغلاء» المنشور في «الوسط» يوم الخميس 24 يناير/ كانون الثاني 2008.

أتعبت الوزارة نفسها في إيضاح جهودها، فقدّمت مجموعة من البراهين التي دللت بها على سعيها لحماية المستهلك، وتحدثت عن أن الأسعار مشكلة عالمية، وتذرّعت بصعوبة مراقبة كل أماكن البيع، وذلك لقلة عدد المفتشين لديها والذين لا يزيدون عن 25 مفتشا!... وبعد الجهد الجهيد، فسّر بيان الوزارة الماء بعد الجهد بالماء، ففي نهاية المطاف ذكّرت الوزارة، أن البحرين تبنت اقتصاد السوق الحر، وبسبب هذه السياسة الجديدة، لا يمكن للحكومة ولا يحق لها التدخل في الأسعار، وعليها ترك التجار وأصحاب البقالات يرفعون وينزلون الأسعار كيفما يشاءون...

إنه اقتصاد السوق الحر كما يقول بيان الوزارة. والحقيقة أن الكثير من المسئولين صرّحوا بالتصريح نفسه سابقا في تعليلهم لعدم تدخل الحكومة في الأسعار. البيان استثنى من ذلك السلع الثلاث المدعومة من الدولة، وهي الطحين واللحم والدجاج، فقط هذه السلع ولا غيرها ما يحق للحكومة التدخل في أسعارها... إذا لماذا لم تُرح الوزارة نفسها منذ البداية عن هذه الحجج الكثيرة في بيانها، فبدلا من كل تلك الذرائع وبيان الجهود ودراسة الأسعار وسبب ارتفاعها... الخ، فإن حجة تبني اقتصاد السوق الحر الذي يمنع الحكومة من التدخل ومراقبة الأسعار كانت كافية وافية، ولا تحتاج أكثر من سطر.

ولكن هل فعلا فهمت الوزارة أن ضجيج الناس الذي شق عنان السماء يتعلق بارتفاع أسعار السلع الثلاث المدعومة من الدولة؟

بعد اليوم، فإن الذي ينبغي مناقشته هو هذا الفهم في تطبيق اقتصاد السوق الحرّ: فهل اكتملت عناصر السوق الحر، وتوفرت عناصر المنافسة النزيهة بين مختلف مكونات السوق؟

أليس المستهلك مازال مغلوبا على أمره؟ ثم ألم يبقَ من خطوات لتطبيق اقتصاد السوق الحر، سوى هذه الخطوة؟ والحقيقة أن الأمور مختلطة جدا، فمثلا، بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول2007، توعّد رئيس نيابة قضايا الوزارات والجهات العامة بإحالة جميع المخالفين والمتلاعبين بالأسعار إلى المحاكمات الجنائية، ولكن لماذا أطلق رئيس النيابة هذا التهديد حتى شعرنا أن الأرض قد تزلزلت من تحت أقدام المتلاعبين بالأسعار؟

أم أن النيابة لم تكن على علم بأن الحكومة قررت تبني اقتصاد السوق الحر؟ لماذا هذا التناقض في التصريحات في غضون أشهر قليلة؟

أعتقد أن أعيننا كانت ستبيّض من الحزن لو كنّا نعلم أن التهديد المزلزل للنيابة العامة آنذاك يختص بمن يرفع أسعار السلع الثلاث فقط، أي الدجاج واللحم والطحين كما في بيان وزارة الصناعة والتجارة؟

ومن الذي قرّر أن ترك السوق بهذه الكيفية يعني أننا تبنينا اقتصاد السوق الحر؟

هل يعني أن يرفع التاجر أسعار سلعه ويخفضها كيفما يشاء، ومتى شاء، وأيضا على من يشاء وفق ما شاء؟

وبعد غد وفي ظل انعدام المنافسة بين المواطن ورب العمل نتيجة سياسة الباب المفتوح لجلب الأجنبي، يتم فصل المواطن من عمله بأكثر من التعسف الحالي تحت دعوى أن ذلك نتاج تبني الدولة لسياسة اقتصاد السوق الحر.

وأين مجلس النواب عن مثل هذه القرارات؟

هل تمت مناقشة البرلمان في مثل هذا القرار الذي يمنع الحكومة من التدخل تحت دعوى تبني اقتصاد السوق الحر؟

لماذا مازال بعض النواب يتحدثون عن مسئولية الحكومة؟

أم لم يعلموا أن تبني اقتصاد السوق الحر يمنع تدخل الحكومة، ويسمح للتجار رفع أسعارهم كما يشاءون بحسب ما يُفهم من بيان إدارة حماية المستهلك بوزارة الصناعة والتجارة؟

وسؤال أخير: هل أصبح المرسوم بقانون رقم 18 لسنة 1975 الخاص بتحديد الأسعار والرقابة عليها والذي على ضوئه صدرت الكثير من القرارات الوزارية التي شملت سابقا تحديد حتى أسعار الدهون العراقية.

هل أصبح ذلك المرسوم بقانون في حكم الملغي لتعارضه مع نظام اقتصاد السوق الحر؟

ولماذا مازالت الوزارة تستند في إجراءات تقديم المخالفين للنيابة - كما في بيانها - إلى هذا المرسوم؟

هل أصبح هذا المرسوم يختص بالسلع المدعومة فقط فيما يتعلق بضبط الأسعار؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1998 - الأحد 24 فبراير 2008م الموافق 16 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً