العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ

لِمَنْ يَجْرُؤ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زار العماد ميشال عون سوريا مُستقلاً طائرة الرئيس الأسد الخاصة. زيارة أسمتها سورية والموالاة والمعارضة بتسميات تعكس خيارات سياسية ووجهات نظر جليّة لمجمل ظروف وقضايا لبنان.

شخصية هذا العسكري السبعيني مُلفتة جداً. عندما أُخْرِجَ بعملية عسكرية لبنا/ سورية من قصر بعبدا في الثالث عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1990 بدأ يفهم أن مشروعه السياسي قد تقلّص لصالح مشروع سياسي آخر أوسع منه.

حينها استدعت عسكريته الممتدة منذ العام 1955 إلى أن يكون معارضا سياسيا مُنضبطا مع نفسه ومع مشروعه. وإجادة للصراحة لحدّ النّزق، لكنها أيضا صراحة ممزوجة بمواقف جريئة وواضحة.

وربما كان الجنرال عون مُغرّدا خارج السرب حين كانت التسويات الإقليمية تجري من تحته ومن فوقه، تُفوّض السوريون بالإطلاق في لبنان، وتُقيم ضبطا لغلواء الطوائف المُستأسدة، حتى أصبح حاله كحال أحمد شاه مسعود في صراعه مع حركة طالبان بعد العام 1996 حين كانت القوى العظمى راضية عنها.

يُحسب للجنرال عون أنه كان صادقا مع نفسه. طيلة خمسة عشر عاما من نفيه القسري في فرنسا كان يقول: «لمّا يْفِلّ السّوري من لبنان ساعتها أروح عَالشّام». حتى معارضته للطائف في أغسطس 1989 كانت تتعلّق بالشّق الخاص بانتشار الجيش السوري على الأراضي اللبنانية دون آلية مُجدولة لانسحابه.

اليوم وعندما يزور الجنرال عون دمشق هو يُعمّد معارضته السابقة لها والتي كان يشترط فيها انسحاب السوريين من الأراضي اللبنانية. بل إنه ومن قلب العاصمة دمشق وبُعيد لقائه الأول بالرئيس بشار الأسد قال بالحرف «لنا جرأة مواجهة الماضي وليس الهروب منه، ولن نمحوه من ذاكرتنا لئلا نكرّر الأخطاء». إنه فعلا عناد عسكري بامتياز.

في هذه الزوبعة التي رافقت زيارة الجنرال عون إلى سوريا، أعجبني حديث للرئيس السابق لحزب الكتائب كريم بقرادوني عندما سُئِل عن سبب الضجة المُثارة من قِبَل قوى الرابع عشر من آذار حول الزيارة.

بقرادوني ردّ أسباب تلك الزوبعة لأشخاص بشاكلتين. إما أنهم يودّون زيارة سوريا وهي تصدّهم، وإما أنهم يودّون أن يتلقوا دعوة لزيارتها عبر هذا الهجوم. ربما تقليدا منهم لمعارضة عونية سابقة.

قوى 14 آذار أرادت أن تستهجن من شأن زيارة عون بأشكال مختلفة. هي أرادت نقضها «حزبيا» لأن الجنرال ليس رئيسا ولا وزيرا في الحكومة اللبنانية. وأرادت نقضها «مسيحيا» لأن الجنرال لا يُعبّر عن كل المسيحيين اللبنانيين الذين هم تاريخيا ضد سوريا. وأرادت نقضها «وطنيا» لأن الجنرال يخدم بزيارته هذه سوريا أكثر من لبنان.

في النقض الأول، من غير المقبول أن شخصا لديه كتلة نيابية قوامها 21 نائبا وثلاث وزراء أن لا تكون تحركاته وزياراته وطنية! في حين يتم اعتبار زيارة شخصية لبنانية أخرى إلى الولايات المتحدة الأميركية أقلّ وزنا من عون سواء نيابيا أو تنفيذيا بأنها زيارة في قمّة الوطنية!.

وفي النقض الثاني، لا أتصور أن الجنرال لا يُمثل الأغلبية النسبية أو المطلقة من مسيحي لبنان الذين يُشكّلون 35 في المئة من عدد السكّان فيه، كما أنني لا أتصور أن مسيحي الشرق لم يعودوا ينظروا له أقل من بطريك ناهض، أمام آخر لم يعد بمقدوره سوى الهراء.

في النّقض الثالث لم يفعل الجنرال أكثر مما كان يقوله وهو معارض في فرنسا، ولم يقدّم لسوريا سوى ما كان هو يريد. بل إنه صرّح وهو على أرضها بأنه يأمل بأكثرية تُصحّح تحفظاته على اتفاق. وسواء تمّ نقضها بالأول أو الثاني أو الثالث فإنها بالفعل زيارة من نوع آخر

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً