العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ

هل نحن على أبواب حرب كونية ثالثة؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

فيما كانت أنظار العالم تتجه نحو شيكاغو كي تتابع تداعيات إعلان مؤسسة «تريبيون» العملاقة للنشر عن أزمتها المالية، والتقدم بطلب إدراجها طوعا ضمن البند الحادي عشر، الذي يجعلها في خانة من يطلب رسميا الحماية من الإفلاس، لتنظم كضحية جديدة من ضحايا الأزمة المالية العالمية التي عصفت بمؤسسات عملاقة أخرى مالية وفي قطاع التأمين، صعق العالم بما تناقلته أجهزة الإعلام بالمستوى القياسي الذي بلغه العجز التجاري الفرنسي خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، الذي وصل إلى 7،066 مليارات يورو، متجاوزا بذلك توقعات خبراء الاقتصاد الذين تنبأوا بعدم تجاوزه سقف 5،65 مليارات يورو.

ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من الحصافة كي يربط بين الحدثين والأزمة المالية التي ما تزال تبحث عن ضحايا جدد. فعلى مستوى المؤسسة الإعلامية العملاقة اعترف كبير مدراء التريبيون سام زيل بذلك قائلا: «لقد تضافرت عوامل خارجة عن إرادتنا لتتسبب بأزمة كبيرة، حيث تراجعت عوائدنا في ظل الوضع الاقتصادي الحرج، بالتزامن مع مشكلات قطاع الائتمان الذي جعل من تمويل ديننا مسألة بالغة الصعوبة».

وتابع زيل: «نعتقد أن إعادة الهيكلة ستعيد ملائمة ديوننا مع الحقائق الاقتصادية الراهنة، وسيرفع هذا الضغط الذي تعيشه عملياتنا». أما بالنسبة للعجز الفرنسي، فقد أكدت وكالة أنباء رويترز أن مصدره «تراجع الطلب على السلع الفرنسية بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي في الخارج».

لكن إفلاس مؤسسة إعلامية أميركية، أو بلوغ العجز في إحدى الدول الأوروبية، يصبح ظاهرة هامشية، حينما تقارن بالكوارث والأزمات التي في طريقها إلى الدول النامية. فمن جهة يتوقع بيان حديث أصدره البنك الدولي تباطؤ «النمو الاقتصادي في الدول الصاعدة والنامية بشكل حاد العام المقبل مع انتهاء طفرة للأسعار في الأسواق العالمية للسلع الأساسية استمرت 5 سنوات، وبأن النمو العالمي سينكمش إلى 0.9 في المئة 2009 من 2.5 في المئة في 2008، محذرا من احتمال ركود عالمي طويل وعميق». لكن الأمر في العالم النامي لا يقف عند حدود «تباطؤ النمو»، بل يتجاوز ذلك كي ينذر باجتياح موجة ارتفاع جديدة في أسعار الغذاء في العالم، تؤدي إلى «زيادة عدد الجوعى في العالم إلى 40 مليونا»، كما جاء في بيان أصدرته مؤخرا منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو». ووفقا للفاو فإن «توفر الحد الأدنى من الطعام الكافي لضمان العيش بنشاط وصحة أصبح حلما بعيد المنال».

وكما تقول الفاو فإنه على رغم أن «السَواد الأعظم من سكان العالم الذين يعانون نقص التغذية في البلدان النامية، يقيمون في 7 بلدان هي: الهند والصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية الشعبية وبنغلاديش وإندونيسيا وباكستان وإثيوبيا، لكن النزاعات الجارية (في أفغانستان والعراق) مقرونة بظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية... دفعت بأعداد مَن يعانون سوء التغذية بالإقليم من 15مليونا خلال الفترة 1990 - 1992 إلى 37 مليون بحلول العام 2007».

وليست هذه المرة الأولى التي تحذر فيها الفاو من أزمة غذائية عالمية، فقد جاء في تقريرها للعام 2004 أن «عدد الذين عانوا من نقص الأغذية خلال الفترة 2000- 2002 في ثلاثةٍ من أقاليم العالم النامية الأربعة قد أزداد عمّا كان عليه الحال خلال الفترة 1995 - 1997». واستمرت الفاو في دق نواقيس خطر موجات الجوع التي تجتاح العالم، وتحذر من تناميها. ففي سبتمبر/ أيلول 2005، عندما كانت الأزمة المالية الحالية في حالتها الجنينية وعلى هامش لقاءات قادة العالم في مؤتمر القمة للأمم المتحدة في نيويورك، انبرت الفاو علنية كي تدعو العالم إلى «احترام الالتزامات بخفض نسبة الجوع في العالم إلى النصف بحلول العام 2015».

هذه الحالة المتأزمة التي تعصف بالعالم، من عجز تجاري في اقتصاديات عريقة مثل الاقتصاد الفرنسي، وتهاوي وإعلان إفلاس مؤسسات راسخة بمستوى الـ»تربيون»، ثم اجتياح موجات الجوع وتردي أوضاع التغذية في المزيد من دول العالم، جميعها نُذر شؤم تحذر من انفجار غير محدود في نطاق قطر صغير أو إقليم متوسط المساحة، تعيد إلى الأذهان الصورة القاتمة التي كانت تسود العالم في نهاية العشرينيات وبداية الثلاثينيات والتي بدأت، أيضا، من السوق الأميركية، وكانت من بين أهم العوامل المباشرة التي أشعلت فتيل الحرب الكونية الثانية، وأدت فيما أدت إليه إلى تغييرات عميقة في موازين القوى، ورسمت خارطة جديدة للعلاقات الدولية، ومعها الخارطة السياسية الدولية، وتلى ذلك إلى إعادة تقسيم مناطق النفوذ، وفقا للنتائج التي تمخضت عنها تلك الحرب.

فهل يقف العالم اليوم على شفير حرب كونية جديدة تعكس موازين القوى التي تسود العالم منذ ما يزيد عن 7 سنوات، وربما تكون أول علامات دنوها هي أحداث 11/9/2001 التي عصفت باستقرار الدولة العظمى التي انفردت بالنفوذ العالمي بعد سقوط الإمبراطورية السوفياتية؟

يحضرنا هنا اقتراح تقدم به البنك البرازيلي في العام 2003 لتأسيس صندوق لمكافحة الجوع، يتم تمويله من ضريبة على مبيعات التسليح»

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً