لم أتوقع أن تكون دبي بهذا التقدم العمراني الهائل بعد ثلاث سنوات من زيارتي الأخيرة لها... إن من يدخل هذه الإمارة يعتقد أنه دخل إلى مدينة نيويورك بمبانيها الضخمة الأنيقة التي يطلق على معظمها لقب الأبراج لعلوها الشاهق.
ولا يقتصر الأمر على دبي المدينة فقط وإنما امتد العمران الهائل إلى منطقة الجميرا وغيرها من المناطق الساحلية الجديدة... فوجئت بمباني أعتقد أنها تفوق المئات وبعلو يزداد على الأربعين طابقا، تطل جميعا على بحار تشرح النفس بسواحلها الجميلة التي تم إعدادها بالتراب وتنظيف البحر... والأهم من ذلك كله أنها كانت مباحة لجميع المواطنين والسياح مجانا... لا أملاك خاصة عليها تحرم الناس من رؤية البحر والتمتع به مثلما يحدث حاليا في بلادي الحبيبة البحرين وجزرها المتناثرة الصغيرة في حجمها الغنية بروح شعبها الطيب الواعي... لقد أصبحت البحرين جزرا بلا شواطئ حقيقية واسعة يرتادها الناس مجانا ليتمتعوا بمنظر البحر بعد يوم طويل من العمل ومتطلبات الحياة العصرية المرهقة.
قضيت خمسة أيام ممتعة مع أسرتي في دبي، وأعجبت بذكاء حاكمها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الحازم في توجيهاته، العملي في انجازاته لبلده، ولا أبالغ إذا قلت أنه صنع معجزات في نهضة بلاده من حيث سرعة الإنجاز لمشاريع ضخمة منها ذلك النفق البحري الكبير الذي يشق البحر من أسفله ليصل إلى فندق اتلانتس في جزيرة تقع في نهاية مشروع جزر النخيل الضخم.
ولا يتوقف العمران والإنجاز السريع على البناء وإنما امتد إلى الشوارع وأصبحت واسعة جدا مع بناء الجسور العلوية الكثيرة، ما أسهم في القضاء على ظاهرة الإزدحام الشديد، إلى جانب مشروع المترو الذي سيتم افتتاحه قريبا، ولا يتوقف الأمر عن التعمير وإنما جعلها هذا الحاكم والمسئولون تحته مركز للفن والثقافة، حيث قام ببناء البنية التحتية لإقامة هذه النشاطات سواء الفنية أو الثقافية، كل ذلك ودبي لا تملك من ثروات النفط إلا القليل وعوضها هذا الحاكم بهذه الخطة الحكيمة الذكية لتتحول إمارة دبي إلى مركز مالي يشد اهتمام المشاهير العالميين لشراء شقق بها وأصحاب المشاريع العقارية العملاقة والمستثمرين في مجال الفن والثقافة في الدول المتقدمة في العالم الغربي والأميركي والروسي وغيرها من الدول، لزيارتها والتمتع بشواطئها المجانية الخلابة وجوها المشمس الدافئ قياسا إلى برد تلك الدول القارس في الشتاء.
تألمت للبحرين التي كانت من أرقى دول الخليج وأكثرها حضارة، تألمت لشعب البحرين الذي حرم من شواطئه واستولى عليها ذوو الأملاك الخاصة، ما رأيته في دبي وتركيا ومصر ولبنان أن الناس لا يملكون شواطئ الدولة وإنما هي ملك للدولة يسمح فيها للمواطنين السير على شواطئها... والتمتع بمنظر البحر، ومن يملك سكنا أو فندقا يطل على البحر فإن هذه الإطلالة يجب أن تكون على بعد مئة أو ستين مترا بعيدا عن البحر، لكي لا يملكوا الشواطئ.
لماذا تسمح الدولة في البحرين أن يملك ذوو الأملاك الخاصة شواطئ البحرين وبلادنا مساحتها صغيرة وتسمى جزافا جزيرة أو جزر، لأن الناس البسطاء لا يسمح لهم الوصول إلى هذه الشواطئ بعد أن استولى عليها أصحابها، وحتى الشواطئ التي لم يستول عليه أحد الأشخاص أو لم تخصص لمشروع استثماري، نرى إهمال وزارة البلديات للبحر فيها وعدم نظافة شاطئها، لننظر إلى بلاج الجزائر الجهة المجانية منه قبل الدخول إلى الشاليهات الخاصة على شاطئ الجزائر، ذهبت لزيارته وفوجئت بالقاذورات على الشاطئ والحصى في الماء، والبحر غير معد للسباحة، ليتمتع المواطنون بالاستحمام فيه، يسير المرء فيه لمسافة كيلومتر والماء مازال لم يغط نصف جسمه.
لماذا يتم الإستيلاء على الشواطئ والاهتمام بها لصالح المستثمر وأصحاب الأملاك الخاصة على البحر، وعندما يصل الأمر إلى أن يتمتع المواطن مجانا بالشاطئ تهمله وزارة البلديات؟ بل لماذا تسمح الدولة أن يمتلك أحد شواطئ البحر؟ أليس هو نعمة أنعم الله بها على الناس في الدولة التي يعيشون على أرضها ليتمتعوا بها؟ فلماذا يملك الناس والفنادق هذه الشواطئ إلا من قليل جدا منها وحتى هذا القليل لا يجد الاهتمام من الدولة ليتمتع به المواطنون مجانا؟ وأين النواب في مجلسهم لتحقيق هذا المطلب المهم الضروري؟ لماذا لا يطالبون بدفن الشواطئ أمام الأملاك الخاصة بمسافة تسمح أن يكون الشاطئ مجانا للمواطنين مثلما تفعل الدول الأخرى كعمان ودبي وغيرها من الدول العربية؟.
إنني لا أنكر اهتمام الدولة بعمل الحدائق العامة للناس، لكن الشواطئ هي حق أساسي لهم ولا يجوز أن يمتلك أحد على شواطئ البحار في أية دولة في العالم؟، فلماذا نحن فقط محرومون من بحرنا؟، ولماذا لا يتم الأهتمام بما بقي من شواطئ للناس؟ هذا هو السؤال الذي أتمنى أن يهتم به النواب ووزارة البلديات وكبار المسئولين في البحرين.
كما أتمنى أن يتم توسعة الشوارع بطريقة أسرع مما تقوم به وزارة الأشغال، فالزحام لا يطاق، والناس طفحت نفوسها انتظارا، بينما دبي تسرع بمسئولية في توسعة شوارعها لمصلحة سير الأعمال في البلاد التي تقوم على الاقتصاد مثلنا، فلماذا نتأخر نحن بينما يتم الإنجاز عندهم سريعا؟
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 2288 - الأربعاء 10 ديسمبر 2008م الموافق 11 ذي الحجة 1429هـ