ذكرنا في الحلقات السابقة خلفيات الدورة الثالثة للحوار الثقافي العربي الأوروبي، والتي انعقدت في الاسكندرية في الفترة 19 - 21 يناير/ كانون الثاني 2008 ونستعرض في هذه الحلقة المحاور الآتية:
الورشة الرابعة: التحديث الاجتماعي
يطرح التحديث الاجتماعي اسئلة جوهرية عن ماهية التغيرات وماهية التقدم اذا اعتبرنا التحديث الاجتماعي عملية تغيير للامام.
يتوجب في البداية الاقرار بأنه لا يوجد في جميع المجتمعات فهم قاطع لعمليات التحول المطلوبة ولا يوجد فهم واحد لعملية التقدم. واذا كانت رؤية الغرب موروثة من عصر الانوار، فإن ذلك لا يمنع التركيز على قيم اخرى مشتركة لمجتمعات المتوسط.
من خلال الحوارات التي جرت في كل من باريس واشبيلية والاسكندرية تم التوصل الى كون القانون وسيلة مهمة للتحديث. فالقانون هو المنظم للعلاقات الاجتماعية وهو الذي يصنع إطار ممارسة القوة واخيرا فهو يشكل الاداة لحماية الافراد من خلال الحفاظ على حقوقهم.
ومن هنا فإن تحديث القضاء يبدو شرطا ووسيلة للتحديث الاجتماعي، فالنصوص القانونية بمختلف تعبيراتها كالدستور والقانون وقواعد التحكيم والعادات لا تكتسب اي شرعية اذا لم تكن تعبر عن القيم المشتركة للمجتمع الذي تحكمة. إن كثيرا من نماذج الاصلاحات القضائية لم يترتب عليها توافق مع نمط حياه السكان. ولكن للقانون قوة انفاذ ضوابط جديدة اذا طبقت فإنها تؤدي الى تحسنات في حياه الناس وتحظى بدعم الناس.
واوصى المشاركون في ندوه التحديث الاجتماعي بما يأتي:
- تشكيل هيئة (مجلس أو منتدى أو مؤسسة)، إذ يمكن الاجتماع بانتظام وإجراء مناقشات وتقديم مقترحات لأناس من مختلف بلدان المنطقة بشأن سبل التقدم الاجتاعي. وفي هذه الاجتماعات يجب أن تمثل مختلف عناصر المجتمع المدني وبرلمانيين ومسئوليين حكوميين.
- إقامة شبكة للتبادل والحوار من الهيئات القضائية العليا لمختلف البلدان على غرار مجلس اوروبا لمفوضية البندقية والذي ثبتت فاعليته للبلدان الاوروبية المتوسطية. ويتوجب أن يساهم ذلك في تعزيز المعارف المتبادلة بالنظم القضائية لضفتي المتوسط. كما يجب أن يشمل تدريب القضاة وتعزيز المعارف بالممارسات القضائية.
- تطوير شبكة للمكتبات المرفقة بالمجالس القضائية العليا لتوفير مراحع قضائية بمختلف اللغات. جرى التأكيد من خلال المناقشات على الأهمية القصوى للحقوق الاساسية مثل المساواة وأمام القضاء بغض النظر عن الجنس والأصل والمكان، وتعزيز الحقوق الاجتاعية والمدنية وحرية التعبير كعناصر للتحديث الاجتماعي. وإذ إن تعزيز هذه القيم عملية طويلة المدى فيتوجب البدء بحوار فيما بين الاطراف المعنية بالتحديث بشأن سبل تحقيق ذلك.
وهناك مبدآن يجب أن يحكما هذه الآلية وخطة العمل وهما:
الأول، تعزيز التعددية الثفافية التي تضم في الوقت ذاته قيما مشتركة.
الثاني، الحاجة إلى تعزيز فلسفة سياسية تحتضن فكرة الحوار وألا تتخذ قرارات مصيرية من دون حوار ومثل هذه الفلسفة لا تنتمي للشرق والغرب، ولكن للانسانية وانطلاقا من ذلك فإن التعددية تفترض أن هدفها هو تعزيز الحريات الفردية والمساواة بين الجنسين وحرية المعتقد وتعايش الآراء والمجموعات من دون احادية وعدم اختزال الديمقراطية بالانتخابات واختزال إرادة الأمة بغالبية نيابية في ظل هاجس ما يفرق بين المنطقة وبلداتها. ويؤرق ذلك المشاركين في هذه الورشة وخصوصا الصراع العربي الاسرائيلي والوضع المقلق في لبنان والعراق.
لذلك فإن اي حوار لن يصل الى نتيجة ايجابية، إلا اذا تبنت الدول سياسة دولية عادلة وأن تكون العلاقات فيما بين الدول قائمة على الحقوق المتبادلة وألا تعطي اي دولة لنفسها الحق في انتهاك سيادة الدول الأخرى ووصايه عليهم.
الورشة الخامسة: التعليم والبحث
كان مشروع خطة العمل موضوع نقاش معمق. وتوصي خطة العمل بقفزة نوعية وكمية للتعاون والحركة في مجال التعليم والبحث. وهو أمر ضروري لمستقبل اية شراكة بين اوروبا وبلدان الجنوب وشرق المتوسط. ويجب أن تعتمد هذه القفزة على التجربة المكتسبة وعلى القنوات المتوافرة وفتح آفاق وطروحات جديدة في إطار تعاون مشترك وحوار وتداخل ثقافي. ولتكملة المجموعات الثنائية، في الاطار الاوروبي يتوجب تطوير عمليتين:
- تكييف افضل واستخدام افضل للبرامج الاوروبية المتوافرة مثلTempus Meda, Erasmus Mundus,
- زيادة على الموجود، من الضروري إضافة برنامج تعاون وتبادل الزيارات (حركة) جديدة يفضي الى جميع المستويات والشرائح للنظم التعليمية والذي يمكن تسميته بـ duca Med ou Averroes والذي يجب أن يتمتع بموازنة طموحة.
من بين الاجراءات المقترحة:
- تكوين وتجهيز مدرسي الابتدائي والثانوي.
- تطوير المسارات الاساسية لتواكب العولمة ومجتمع المعلومات.
- تطوير المبادئ والأدوات للتعلم المشترك والحوار.
- دعم المجهودات لتغير وهيكلة برامج ومؤسسات التعليم والتدريب.
- زيادة التبادل للمدرسين، والإداريين والتلاميذ والطلبة والمتدربين والمتطوعين بمن فيهم ما بين الشمال والجنوب.
- إيجاد مرصد لمراقبة ومقارنة نظم التعليم.
- تنظيم ندوة/ مؤتمر في 2008 بشأن دور مؤسسات التعليم العالي في حوار الثقافات.
- التكوين من خلال ادراج العطاءات والعروض الاوروبية كأداة للعمل عن طريق الشبكة.
- ملتقيات الطلبة في القضاء المتوسطي.
الورشة السادسة: القيم المشتركة
تقترح الورشة السادسة، اصدار ميثاق للحوار بين الثقافات وتقديمه إلى الحكومات والرأي العام في بلدان المتوسط والخليج، وأن يتضمن بيان الاسكندرية عناصر من هذا الميثاق كما يأتي:
1 - اسقاط الأحداث التاريخية السلبية في هذا الصدد.
2 - الاقدام على مبادرات لإيجاد حلول لخلافات الثقافات التي ادت الى كوارث في الماضي والحاضر.
3 - اتخاذ اجراءات متبادلة لإزالة الحواجز الفاصلة بين الثقافات والحضارات والاديان ومحاربة الجهل والاعتراف بالآخر وتعزيز الحوارات بين الحضارات.
4 - إن التعددية الثقافة لا تتناقض مع القيم الكونية مثل الحرية والعدالة وحرية العقيدة والتفكير وممارسات العبادة والمساواة بين الجنسين.
ولتحقيق ذلك فإن المشاركين في الورشة السادسة يرون ضرورة وضع آلية لتحقيق هذه الاهداف بالتنسيق بين المؤسسات والحكومات والتنظيمات في فضاء الحوار بين الثقافات. ومن هنا، فإن القانون الدولي يشكل واحدا من القيم الاساسية للحوار بين الشعوب والثقافات في اوروبا والمتوسط والخليج.
يوصي المشاركون بأن يستمر حوار الحضارات والثقافات الشامل الى جانب مسارات متخصصة للحوار تضم اكاديميين وقضاة وعلماء وصحافيين وفنانين متخصصة للمنتمين لمختلف الثقافات في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1996 - الجمعة 22 فبراير 2008م الموافق 14 صفر 1429هـ