العدد 1995 - الخميس 21 فبراير 2008م الموافق 13 صفر 1429هـ

الإخوان والدولة والشورى

الحركات الإسلامية والفكر المعاصر (13)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لعب اختلاف الجذور الاجتماعية والأيديولوجية ومنابت التربية السياسية دوره في تحديد انتماءات العناصر الحزبية وافتراق توجهها في قراءة التحولات الدولية والتعاطي مع الأزمات الإقليمية والمحلية. إلى ذلك يضاف موضوع الخبرة التي تعمق التجربة وتزيدها نضجا وهي مسائل مشتركة لا تتوافر عند الجماعات الإسلامية الحديثة العهد في حين إنها موجودة في تكوين حركة الإخوان وإن تفاوتت بين فرع وآخر.

لا يكفي التفسير المذكور لفهم الخلاف بين الإخوان والجماعات لكنه يساعد على وعي الاختلاف بين الطرفين وعلاقته بالجذور الاجتماعية والآيديولوجية والتربوية لكل فريق. وبسبب ذاك الاختلاف اختار كل طرف طريقه الخاص والمستقل، فاتجهت الجماعات نحو العنف والمواجهة المسلحة انطلاقا من تحليلها الذي لا يسمح بالمساومة مع حكومات جاهلية لا تأتمر بالشرع، بينما اتجهت حركة الإخوان نحو الحلول السلمية ورفض العنف وتأكيد الطابع القانوني لعملها السياسي والنقابي انطلاقا من تحليلها الذي لا يتعارض مع المساومة والتسوية؛ لأنها أصلا لا تعتبر الحكومات جاهلية وترى أن مهمتها تقتصر على النصيحة والدعوة ولا علاقة لها بإصدار الأحكام المطلقة ضد الناس من دول وشعوب وطوائف ومذاهب.

نتجت عن اختلاف التحليل في إدراك الواقع المعقد وفهم المشكلات المعاصرة سلسلة سياسات متناقضة. فمن يرفض التعاطي مع الحكومات العربية بذريعة أنها جاهلية يقاتل الأقباط مثلا بحجة أنهم كفرة، والذي يفسر الأزمة الاجتماعية لأسباب تتعلق بالمسلك الفردي للمسئولين يلجأ إلى الأسلوب الإرادي للاقتصاص المباشر من عناصر الحكومة والشرطة والسياح، بينما الذي يطالب الحكومة بالحوار وتعزيز الديمقراطية وفتح الباب للنقاش تظهر عنده بوادر التعايش مع مختلف الجماعات الدينية التي يتكون منها المجتمع، كذلك يلجأ إلى تحليل الأزمة المعيشية بطريقة موضوعية لا تقتصر مسئوليتها على الأفراد وعناصر الحكومة والشرطة والسياح، لذلك تميز فكر الإخوان وخصوصا منذ مطلع التسعينيات بالحكمة والموعظة ورفض العنف في مختلف أشكاله.

في مقابلة نشرتها صحيفة «الحياة» مع المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر المرحوم محمد حامد أبوالنصر يربط العنف بقلة الحرية وبالعوامل الاجتماعية ويشير إلى حل شامل «لأسباب العنف»، وفي رأيه إن معالجة الأسباب تبدأ بإطلاق «الحريات واحترام حقوق الإنسان وكرامته، وإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية ومحاربة الفساد المادي والمعنوي»، ويعرب عن أسفه لإصرار «السلطة على الاكتفاء بالمواجهة الأمنية حتى تمادت وقابلت العنف بالعنف وتكرر القتل الرسمي بمجرد الاشتباه، فتعقدت المشكلة وزادت خطورتها». وعن علاقة الإخوان بالأقباط أجاب أبوالنصر: «علاقتنا بالأقباط كانت ومازالت طيبة، وعلى مدى السنوات السبعين الماضية، منذ نشأة الجماعة، لم يقع أي حادث يعكر صفوها، وكان للإمام حسن البنا مستشارون من الأقباط، وكان عدد من الأقباط يحرص على حضور محافل الجماعة، وحين أبعد الإمام البنا إلى قنا كتب القساوسة هناك مذكرات إلى الحكومة تنصفه». (محمد حامد أبوالنصر، «الحياة» 4 سبتمبر/ أيلول 1995).

لاشك في أن سنوات التسعينيات (العقد العاشر من القرن العشرين) كانت حاسمة في كسر إمكانات اللقاء بين حركة الإخوان وتنظيمات الجماعة، ففي حين اتجهت الأخيرة نحو تصعيد العنف والمواجهة المسلحة مع السلطات المصرية، اتجه الإخوان نحو تنضيج فكرهم السياسي وتطوير خطابهم الآيديولوجي وتحديثه ليتناسب مع ظروف مرحلة الانتقال التي تمر بها المجتمعات العربية والإسلامية، فأصدورا ثلاث وثائق تعتبر الأهم والأخطر في تاريخهم السياسي منذ عودتهم إلى النشاط الإعلامي في منتصف التسعينيات. (هذه دعوتنا - بيان للناس، رسالة المرأة، رسالة الشورى، لندن، أكتوبر/ تشرين الأول 1995).

التأسيس الثاني

يمكن اعتبار الوثائق الثلاث «التأسيس الثاني» لحركة الإخوان لأنها حسمت بشكل واضح وقاطع الإجابة عن ثلاثة أسئلة: الأول، مفهوم المواطن والمساواة بين المجموعات الدينية والمذهبية. الثاني، مفهوم المرأة ومساواتها بالرجل وحقها في الممارسة السياسية وتولي المسئوليات العامة والرسمية. الثالث، وهو الأهم، حدد إن الأمة هي مصدر السلطات وقطع الطريق على المفهوم المضاد الذي يتمسك بالشرع والشريعة فقط مصدرا للسلطات.

ونظرا إلى أهمية الوثائق الثلاث التي تم جمعها في كتيب صدر بتاريخ أكتوبر 1995 لابد من قراءة نصوصها التي تحسم توجه الإخوان القديم وتعيد بلورته وانضاجه في ضوء أسئلة المرحلة المعاصرة.

تتناول وثيقة «بيان للناس» - صدرت في القاهرة في 30 أبريل/ نيسان 1995 - الموقف العام من المسلمين وغير المسلمين وعلاقة الدين بالسياسة والعمل السلمي ورفض العنف واستنكار الإرهاب وتأكيد حقوق الإنسان، فتذكر عن المسيحيين «لهم ما لنا وعليهم ما علينا وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم والتعاون معهم على الخير فرائضُ إسلامية لا يملك مسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول ويفعل». وتؤكد أن «التعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري على يديه من حق وخير ومصلحة». وتميز بين الشريعة والحاكم في مجال علاقة الدين بالسياسة، فإقامة شرائع الإسلام فريضة من فرائضه «لكن الحكّام - في نظر الإسلام - بشر من البشر، ليس لهم على الناس سلطة دينية بمقتضى حق إلهي... وإنما ترجع شرعية الحكم في مجتمع المسلمين إلى قيامه على رضا الناس واختيارهم». وترفض الوثيقة العنف وكل أساليب القسر وجميع «صور العمل الانقلابي الذي يمزق وحدة الأمة، والذي قد يتيح لأصحابه فرصة القفز على الحقائق السياسية والمجتمعية، ولكنه لا يتيح لهم أبدا فرصة التوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة». وتعلن الوثيقة البراءة من شتى أشكال العنف ومصادره وتستنكر شتى أشكال الإرهاب ومصادره لأن «الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون على سفكه شركاء في الإثم واقعون في المعصية». وأخيرا تؤكد احترامها والتزامها حقوق الإنسان وتطالب بممارسة الحرية «في إطار النظم الأخلاقية والقانونية إيمانا بأن حرية الإنسان هي سبيله إلى كل خير، وإلى كل نهضة وكل إبداع». (ص 6 و7 و8 و10).

تذهب وثيقة «المرأة المسلمة في المجتمع المسلم» - التي صدرت في القاهرة بتاريخ مارس/ آذار 1994 - في الاتجاه نفسه إذ توكد حقها في العمل عموما ومشاركتها في الانتخابات وترشيحها واختيارها في المجالس المنتخبة وتولي الوظائف العامة والحكومية. وتأتي وثيقة «الشورى في الإسلام وتعدد الأحزاب» لتحسم أي لبس في موضوع خيار حركة الإخوان السلمي وقبولها بالتسوية السياسية والمساومة مع المختلف معها أيديولوجيا.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1995 - الخميس 21 فبراير 2008م الموافق 13 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً