قال عنه الـ «FBI» إنه وُلِدَ في النّبعة بين أفاريز الأيام الأُوَل لشهر يوليو/ تموز من العام 1962 بينما قال مُريدوه إن السابع من شهر ديسمبر/ كانون الأول كان موعدا لمدينة صور لأن تَضعَه وَلَدا بِكْرا لوالديه، فايز مُغنية بائع الكتب القديمة وأمّه الحاجّة دعد الموسوية الحمّاديّة، ثم تمالؤوا على جَذْر النّسب فأكّدوا أنه سليل بلدة طير دبا. وعندما فُتِحَ للرجل سِجلا في مكتب التحقيقات الفيدرالي بدأ الأميركان في قَضْم المسافات بينهم وبينه شبرا فشبرا، لاستجلاء ملامِح وجهه طورا بعد آخر، والتثبّت من لون عينيه ومسار حاجبيه وأرنبة أنفه، ولطالما تاجروا بصورته الوحيدة من جهاز أمن إلى آخر لرسم ما تيسّر من هيئته وطَلْعَتِه لكنهم انتظروا طويلا كحال ابنتي شُعيب دون أن تَسْقِيا، ثم زاد إحباطهم عندما عَلِمُوا أن والدته لا تملك صورا له، لأن الابن قد طلب من أمّه أن يأخذ الصور كلها، دون تمييزٍ منه في أن تكون قد التُقطت له وهو في سن الطفولة أو يافعا أو شابا. لقد دفع ذلك التعتيم القاتل لشخصه لأن يَنْكَثِبَ خصومه لسؤال الشهيد ياسر عرفات باعتبار أن الأخير كان يستظلّ بحمايته إبّان حرب الاستنزاف في بيروت كأحدّ حراسّه الشخصيين، وقائدا للقطاع الأوسط في القوة 17 ثم علموا لاحقا أن الإيرانيين قد أجروا له خمسا من عمليات التجميل لتخريب ما لدى أعدائه من توصيف متراكم لقسمات وجهه. قالوا عنه إنه المُخطّط الرئيسي لحادث تفجير معسكرات القوات الفرنسية والمارينز والسفارتين الأميركية والعراقية في بيروت واختطاف طائرة الجابرية الكويتية، وهو من قَنَصَ السفير الفرنسي في لبنان لوي دولامار، فزرع له عُملاء السي آي أي متفجرة في محلة صفير بالضاحية الجنوبية لبيروت فأصابت شقيقه جهاد فقُتِل، وحاولوا اعتقاله بعد استدراجه إلى الخليج قبالة سواحل الدوحة في عملية معقدة قادها جون غاريت فلم يُفلحوا لسرّ لم يُكشف عنه، ثم أرادوا صيده خلال سفره من الخرطوم إلى لبنان في رحلة طيران عادية لكنهم فشلوا بسبب تأخّر في المعلومات الاستخباراتية، فرصدت واشنطن لمن يدلي بمعلومات عنه جائزة سخيّة مقدارها 25 مليون دولار، وشدّت على حلفائها للقبض عليه حتى أصبح المطالبون بدمه من الدول اثنين وأربعين دولة توزّعوا بين الشرق والغرب، بل وحتى الأتراك الذين ينعتونه بـ «عمات آغا» كان لهم حساب معه.
في منتصف الثمانينات تزوّج صاحب الصوت العذب من سعدى بدر الدين فأنجبت له فاطمة (23 عاما) ومصطفى (21 عاما) وجهاد (17 عاما) وربّما ذكّرني زواجه بما أورده ابن عبد ربّه في كتابه العقد الفريد عندما قيل لعلي بن الحسين (ع) «ما أقلّ وُلْدَ أبيك؟ فقال: العجب كيف ولدت!»، كناية عن كثرة عبادة أبيه الحسين (ع) وعدم تفرّغه للنساء والدنيا، وهنا أجرّ القول برفق إلى حيث طلسم الحاج رضوان، فقد كان مُغنية لا يستقرّ به حال، يأكل ما يجده وينام حيث يشاء الله، بل إن عدم موته كان الدليل الوحيد على وجوده، لكن الأقدار كما يبدو شاءت أن يُخلّد كثائر مغوار، وكأب لِوَلَدٍ صالحٍ يدعو له.
العارفون بمُغنية (وهم قلّة) لطالما اختنقوا بسّر لُقْيَاهم به، واكتفى الآلاف من منتسبي المقاومة على تَصْنِيمه قائدا يَكْرَعُ بيده دماء أعدائه قبل سيفه، في حين تغذّى آخرون على أفكاره دون أن يُدركوه شخصا ماثلا أمامهم، لذلك فهم لم يُخفوا دهشتهم عندما عَلِمُوا أن صاحب الوجه القَمَري والأنف الأفطس والقامة المربوعة، هو نفسه عماد مُغنية. لذلك فالحيرة في أمر رحيله تبقى مُزدوجه، إذ كيف تنقّل الرجل بين طهران ودمشق وبيروت والبصرة وأنقرة والخرطوم وإسلام آباد ومارس حياته الاجتماعية بهدوء من دون أن يطوله أحد؟ ثم كيف تمكن الغادرون من النيل منه وهو محاط بهذه السّرية والشّبحيّة؟ سؤالان لا أظنّ أن الإجابة عليهما ستُتاح لأحد حتى مع ما ستُظهره التحقيقات
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ