العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ

الشيعة يقابلون السنة في متنزه ببغداد

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يجلس محمد عمر علي على مقعد تحت شجرة في متنزه الزوراء، ينظر حوله بصبر نافذ بحثا عن أية إشارة لحضور صديقه. لم يرَ محمد البالغ من العمر 31 عاما صديقه إياد مرتضى منذ أكثر من عام عندما أُرغموا، هو وعائلته المسلمين الشيعة على مغادرة حيهم في بغداد حيث نشأ هو وصديقه منذ الطفولة.

الصديق مرتضى سنّي يبلغ من العمر 32 سنة. إلا أن الطائفية لم تؤثر على صداقته مع علي. عندما يجتمع الرجلان أخيرا بفيض من الدموع والعناق والحوار المتواصل، يتضح أن معارك العاصمة الطائفية قد فشلت في فصم هذا الرابط.

نزح أكثر من 70000 عراقي نتيجة للعنف الطائفي منذ العام 2006، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين (UNHCR)، وتحولت الكثير من أحياء العاصمة التي كانت في السابق مختلطة لتصبح إما سنية بحتة أو شيعة بحتة، بعد أن أجبرت الميليشيات الأسر على المغادرة بسبب انتمائها إلى الطائفة الأخرى في الإسلام.

مكن التحسّن في الوضع الأمني في بغداد الأصدقاء من السنة والشيعة من قضاء بعض الوقت معا بأمن وسلام. إلا أن آخرين مازالوا مترددين في زيارة أحياء معينة إذ تسيطر طائفة على المنطقة، فيختارون بدلا من ذلك اللقاء في الزوراء.

«هذه الاجتماعات هي الأمور الوحيدة التي تجعلنا متفائلين بالمستقبل»، كما يقول مرتضى.

الزوراء متنزه مشهور تبلغ مساحته عشرة كيلومترات مربعة يقع قرب المنطقة الخضراء المحصنة جيدا في بغداد. موقع المتنزه المركزي والأمن الصارم في المنطقة جعلا منه مكانا مرغوبا للتجمع لدى سكان بغداد من الطوائف والأعراق كافة.

تمتد صفوف من الذين يرغبون بدخول المتنزه مئات الأمتار في عطل نهاية الأسبوع. ويقول المسئولون في المتنزه إن عدد الزائرين ارتفع كثيرا من بضع آلاف كل شهر في مطلع العام 2006 عندما ارتفعت أعمال العنف في العاصمة، إلى أكثر من مليون ونصف زائر في ديسمبر/ كانون الأول 2007، عندما احتفل العراق بعيد الأضحى المبارك.

و «يتمتع المتنزه بحماية شديدة بحيث يتعذر على أفراد الميليشيات والإرهابيين التسلل إليه» كما يقول أحد المسئولين. فيما يتوجب على السيارات عبور الكثير من نقاط التفتيش عند التقدم نحو المتنزه، كما يتم تفتيش جميع الزائرين عند الدخول.

يقول محمد سعد الطالب الجامعي السنّي البالغ من العمر 27 عاما من حيّ الأعظمية السني إن المتنزه هو المكان الوحيد الذي يمكن للناس عدم الشعور بالخوف فيه من الميليشيات الموجودة في أحياء بغداد الأخرى. ويتلاقى سعد أحيانا مع زملاء من الشيعة في المتنزه. و «عند دخولك متنزه الزوراء يخامرك شعور خاص» كما يقول سعد. «تشعر كأنك لم تعد في بغداد، لأن هناك خليطا كبيرا من الطوائف كافة».

ويضيف سعد أنه اتخذ موقفا ضد المسلمين الشيعة بعد أن سمع أن جيش المهدي - الميليشيا القوية التابعة لرجل الدين الشيعي المحرِّض مقتدى الصدر - يقوم بقتل المسلمين السنة. «كرهت أحيانا حتى أصدقائي من الشيعة» كما يقول سعد. ويردف «لكن عندما فكرت بطفولتي وذكرياتي معهم أدركت ألا علاقة لهم بما كان يحصل». بالنسبة إلى العالم الاجتماعي أحمد ضياء، تشكل هذه اللقاءات مؤشرا إيجابيّا على أن الدولة ستبقى على رغم الطائفية.

يحتاج الشباب في بغداد إلى حياة من دون عنف، وقد تعبوا من الطائفية التي تثيرها المجموعات المسلمة المختلفة»، كما يقول ضياء. ويضيف أن المتنزه يوفر مخرجا اجتماعيّا مهما للعراقيين، وهو يؤمن بأن المتنزه يساعد على رأب الصدوع بين سكان العاصمة المقسّمين. وقد أكد بعض السكان الذي قابلهم معهد الحرب والسلام للصحافة (IWPR) أن العنف الطائفي قد لطخ العلاقات بين السنة والشيعة. ويقول رائد جعفر، وهو مسلم شيعي يبلغ الثلاثين من العمر من حيّ البيعة، إنه على رغم سعادته للقاء أصدقائه السنة في المتنزه إلا أنه يعتبر أنه لا يثق بالسنة كما كان يفعل في الماضي.

ويقول جعفر إن مشاعره تجاه أصدقائه السنة تغيرت بعد مقتل أخيه من قبل مسلمي «القاعدة» في ضاحية تدعى السيدية، ويضيف «شعرت بغضب شديد لدرجة أنني فكرت بجدية بقتل أي سني لكي أثأر». وهو يتجنب الآن الحديث عن السياسة أو مقتل أخيه مع أصدقائه من السنة، ويركز بدلا من ذلك على العلاقات بين الطائفتين أو على القضايا الشخصية وأخبار الناس والعمل.

وعلى رغم ذلك يقول جعفر إنه يأمل أن يتم رأب الصدوع الطائفية وأن «تتم حماية ما تبقى من العلاقات بين الطائفتين». فيما يأمل آخرون في الشيء نفسه.

«هناك ضوء صغير ساطع يخرج من ظلمة العراق» كما يقول سعد. «وهو آخذ بالنمو ويزداد ضوؤه يوما بعد يوم».

* مساهم في معهد صحافة الحرب والسلام في بغداد، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً