العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ

سلام... التجربة التي امتزجت بدخان الحرب

من روح الحرب، من معاناة شعبه، أنطق الفنان العراقي سلام عمر أعمالا تتأوه لما ألمَّ بالعراق الجريح، لما أصاب أهله من ويلات ودمار، نطقت بما تكتمه النوافذ والأبواب الصدئة، التي أحكم سكان ديارها إغلاقها، وتمتموا من خلفها بالدعاء للأحبة، أن يحفظهم الله من كل مكروه.

سلام عمر، الفنان العراقي المقيم ببغداد، رصد وتابع الأحداث، وشهد ما ألمَّ بجسد المدينة من انفعالات قام بها الإنسان والطبيعة، وساهم ذلك في إنضاج تجربة فريدة، طعمها طعم الحرب والألم والعذابات، رائحتها رائحة الدخان والحرائق، ولها صوت كدوي الرصاص والانفجارات، قرر أن تكون هي طابعه، فسعى إلى محاكاة الواقع كمن يرسم موديلا عاريا لجسد الواقع.

يقول عمر في ذلك «إن رسمت كما هو المشهد، سيكون قريبا للمشاهد، سيتقبله لأنني اقتطعته من جدران منزله ومدينته».

الفنان عمر، ذو التجربة المتميزة، قدم معرضه في صالة جمعية البحرين للفنون التشكيلية، واستعرض تجربته التي مر بها، في شريط ذكريات ممتد منذ تخرجه حتى اليوم، إذ بدأ بالقول «تجربتي بدأت بعد دراستي وتخرجي من معهد الفنون الجميلة، إذ بحثت عن موقع لسلام عمر بين مواقع الفنانين العراقيين أولا، والعرب ثانيا، وذلك كان شاغلي آن ذاك، إلا أنني بعد أن أقمت معرضي الأول في 1987، اكتشفت أنني ارسم بطريقة بعيدة عن الاحتراف، وذلك بلقائي الأول بالناقد والفنان العراقي عادل كامل، الذي بدأ يهذب تجربتي، ووقتها عرفت معنى الفن».

يضيف إلى شريط ذكرياته بالقول «عندما أسست مشغلي الخاص بالجرافيك في قاعة حوار ببغداد، كانت الخطوة الثانية التي نقلتني إلى عالم الفن، وسبب نجاحي في هذه الخطوة هي التعرف على الفنان إسماعيل فتاح الترك، والفنان المرحوم شاكر حسن آل سعيد، والأستاذ سعد الكعبي، هؤلاء منحوني انطلاقة جديدة في عالم الفن، وذلك من خلال تنفيذهم لأعمال كثيرة في مشغلي، وكنت متابعا لأدق تفاصيل هذه الأعمال، ومن هنا كانت الفائدة الكبيرة».

شكل انتقال الفنان للدوحة نقطة محورية في حياته، إذ انتقل لتدريس مادة الجرافيك، وكانت تلك مرحلة إضافية إلى رصيده، وعلل ذلك قائلا «كنت افتقد المشهد الآخر (العربي والعالمي)، ومن خلال هذه السفرة اطلعت على التجارب الأخرى من خلال حضور المتاحف واقتناء المراجع الفنية».

وذكر أنه «عندما يكون الفنان منزويا ومبتعدا عما يحصل خارج منزله أو مدينته، تكون تجاربه محدودة؛ التأثير فيها يكون ضعيفا جدا، لذلك نجد أن الاقتراب للمشهد الآخر يعني امتزاجا للذاكرة وتفاعلا لما أمتلك من مشاهد ومصادر، سواء على صعيد الواقع أو المصادر الفنية»، كذلك يقول سلام عمر، الذي يضيف «عندما كنت أرسم سابقا كان جانب مهم مفقودا وهو الهدف من الرسم، بعد الاطلاع بدأت أفهم ذلك السر».

النقلة والأسلوب

وجد سلام عمر لنفسه الموقع الذي كان ينشده، فبصم بأصابعه على أسلوبٍ خاص ومتميز ينتمي لسلام وسلام ينتمي إليه، تفاصيله كما يقول سلام «تتكون من خلال الإنشاء واللون والتكوين، من خلال الألوان والحرق والأشياء المكسرة المجموعة ضمن طرق علمية، كل هذه السمات بدأت تتضح لي من خلال متابعتي للتجارب، وعرفت حجم موهبتي وأين أقف، فنضجت وأزحت التأثيرات السابقة، ووجدت اتجاها خاصا لي في الرسم، وأنا أحاور هذه المنظومة بما أحسه وأشعر به».

يقول «بالنسبة لي، إذا ما قرأت تاريخ الفن، وأنت رجل أكاديمي، ستعرف أن الفنان له تجربة تملكه من خلال بعض الخصوصيات، أنا أمسكت هذه المعلومة وقويت جاذبيتي للأرض كي لا أتبع عاطفتي، لأنها تقوي حالة التأثير السلبي في العملية».

عاطفة ورسالة

يرى الفنان سلام عمر أن الفن من دون هدف لا فائدة منه، وهو أمر خارج عن المقاييس المهمة في الفن، إذ يضيف إلى ذلك أن أحد أهم الأمور في الفن هي الصدق في التعبير، فيجد سلام أن الفنان إذا لم يكن صادقا يصبح منبوذا.

ويزيد سلام أن «العاطفة في العمل أو الفنان العاطفي هو الفنان الهوائي المتقلب، الذي تجره كل تجربة ليقدم عملا مقاربا لها؛ شخصيا بدأت بالإمساك بهذه التجربة منذ العام 1996، كانت نقطة في استقرار وتحول التجربة إلى نضج مبكر، ومازلت أفكر في تطويرها وإعطائها أمدية أخرى، عبر توظيف مواد أخرى غير الخشب، إلى جانب وجود أفكار إلى تحويل الفكرة لمواد حديد».

الحس العراقي في فنه

تتصف أعمال سلام بالعاطفة القوية، والانفعالات التي تنطق بها كل أركان العمل الفني، يعبر عنها بالقول «أنا من بلد كله عاطفة، ينتمي للأم قبل أن ينتمي للأب، فالحضارة السومرية تنتمي للأم أكثر من الأب، ونتعرف على ذلك من خلال الإرث الموجود في المتحف العراقي، وأي أي سطح يرسمه فنان عراقي يخلوا عمله من إدخال الحس عليه، لا يكون عراقيا إذا ترك السطح التصويري فارغا وخاليا من الإحساس، وهذه ميزة الفن العراقي المكتنز بالفعل الإنساني»، مضيفا «لا يمكنني أن أترك سطحا من دون فعل، إما أن أبث عليه الماء، أو الإكريليك بعشوائية، أو يكون مكسرا ومضافة إليه طبقات».

وعن الشكل الهندسي المميز لأعماله التي كانت تمتاز بالشكل المربع أو الاستطالة العمودية يذكر عمر أن «الأعمال التي قدمتها اشتغلت فيها على النافذة، وحديثا على الباب؛ النافذة تكون بينك وبين حبيب، أو بينك وبين الله، الكل يناجي نتيجة الحرب، هناك من يدعو للحبيب أن يبعد عنه شر الحرب، ومعظم النوافذ صدئة مرّ عليها زمن، وفعل الزمن واضح في العمل».

من قلب بغداد

سعى سلام عمر بأعماله إلى أن يوصل للمشاهد صورا من حياتهم اليومية، أن ينسخ ما تراه أعينهم بصورة تلامس الواقع وتتسم بالتجريد.

يقول سلام: «سعيت إلى تصوير الإنسان في العراق، واعتبرت الأعمال وثائق إدانة ضد الظلم والحرب والطائفية؛ وسيعود الناس لهذه الأعمال بعد عدة سنين ويتذكرون هذه الأحاسيس، فقد اقتطعت أعمالي من الناس، ويمكن لأي كان أن يذهب لأي منطقة تجارية وسيلقى أعمالي هناك، فجاء عملي أولا بالاشتغال على صناديق الجدة، أو الأسلحة أو الأحلام أو الذخيرة، ووجودها داخل صالة العرض له حضور، وهو فعال بخلاف ما للوحة التقليدية، وحاولت أن أخرج عما يألفه المشاهد، وسعيت إلى أن أوصل بصدقٍ أعمالي للمشاهد، وأنا متمسك بها، فالعمل الذي لا يستفز المشاهد أو يستوقفه ليس عملا فنيا».

ختام

بالإكريليك الممزوج بمواد الطبيعة رسم سلام عمر، استخدم الرمل، أضاف له الإكريليك حتى يعطي إحساس الجدار أو الشارع، وسعى إلى أن ينقل بفنه ما يعايشه العراقي، واختتم بتواضع قائلا «في المخيلة والعقل والقلب كلام كثير عما في العراق وما أعمله هو قليل مما أقدمه لهم، أنا واحد من الناس الذين مستهم حرارة ووجع الحرب، لكن أدعو إلى سلامة العراق، لسلامة أهل العراق».

العدد 1994 - الأربعاء 20 فبراير 2008م الموافق 12 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً