ليس غريبا أن يتسلّم شقيق كاسترو الحكم في كوبا؛ لأن الجمهوريات الرئاسية الاشتراكية والشمولية تحوّلت إلى أنظمة وراثية مطلقة، ولكن الغريب إعلان فيدل كاسترو (82 عاما) أمس أنه تخلى عن منصب الرئاسة وقيادة الجيش قبل أن يموت. والمصيبة أيضا أن الوريث راؤول كاسترو يبلغ من العمر 76 عاما، والعمر يتقدم به أيضا نحو الموت.
في العادة، فإن الحسنات تُذكر للميتين «اذكروا محاسن موتاكم»، ولكن فيدل كاسترو لايزال حيا، ولايزال يمسك بمنصب السكرتير «الأول» للحزب الشيوعي الحاكم... مع ذلك، فلو افترضنا أن فيدل كاسترو سيموت عاجلا أم آجلا، فإن من حسناته أنه قضى على الأمية في كوبا، واستحدث أفضل وأرخص خدمة صحية في العالم لأبناء شعبه كافة، وتحدّى أميركا نحو نصف قرن منذ تسلمه الحكم في مطلع العام 1959، ونجا من محاولات إسقاطه واغتياله، ويئست وكالة المخابرات الأميركية من القضاء عليه، وساد رأي لدى كثير من الكوبيين أن فيدل كاسترو سيعيش حياة أطول منهم، ولذلك فزعوا أمس (الثلثاء) عندما اكتشفوا أن فيدل لايزال بشرا، ويمكن أن يتقدم به العمر ويضعف ويمكن أن يموت أيضا.
كان فيدل كاسترو قد قال من قبل إن لديه خيارين: إما «الاشتراكية أو الموت»، وليس واضحا فيما إذا كان الخياران له أم لشعبه... فيدل كاسترو استطاع أن يثبت أن ليس كل ما تريده أميركا يتحقق، فهو لا يبعد عنها كثيرا (نحو 200 كيلومتر فقط)، ولكنه تحدّى القوة العظمى الوحيدة في العالم، وألهم رئيس فنزويلا، هوغو تشافيز، الذي يطمح أيضا في تقليد كاسترو وإثبات أن إرادة أميركا لا تسري عليه أيضا.
كل ما ذُكر أعلاه ربما يكون في جانب «الحسنات»، ولكن السيئات كثيرة. فالنظام الرئاسي الاشتراكي الجمهوري في مختلف أنحاء العالم ينافس الملكيات المطلقة في البقاء حتى الموت في السلطة... فكاسترو عاصر عشرة رؤساء للولايات المتحدة الأميركية، عشر إدارات انتخبت وانتقلت السلطة من يد إلى يد بينما عجز كاسترو عن تداول السلطة مع رفاقه، ولم يتخلَّ عنها كليّا الآن، ومهّد خلال الـ 19 شهرا الماضية (منذ وقوعه مريضا) لتسلّم أخيه دفة الحكم.
ربما ان هناك شيئا آخر غفل عنه، وهو ان البقاء في السلطة كثيرا يعطل الحياة الجميلة له ولمن حوله، وان الشخص الذي لا يتداول السلطة مع غيره يموت قبل أن يموت، ويفقد ألذّ الأشياء على رغم أنه يملك كل شيء، ويكتشف في آخر الأمر أنه مجرد بشر كان عليه أن يشترك مع غيره من بني البشر - أثناء حياته وقبل مماته - في مسيرة تتسم بسعادة أكثر.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1993 - الثلثاء 19 فبراير 2008م الموافق 11 صفر 1429هـ