هناك شعور مختلف هذه الأيام في رام الله، عاصمة الأمر الواقع، والعاصمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية ومركز الحكومة. الأسواق مكتظة بالمتسوقين، والمحلات التجارية تمتلئ بالبضائع، وهناك عشرات الأنواع من السيارات الجديدة ظهرت في الشوارع. ويمتلئ مركز المدينة بالأعلام واليافطات والملصقات معلنة عن افتتاح أعمال تجارية جديدة، مثل زهور الربيع البرية بعد المطر.
تعكس مظاهر الازدهار في الأعمال التجارية في الشارع الرئيسي دفعة قوية للاقتصاد حدثت أخيرا، كانت تنمو منذ استأنفت الدول الغربية دعمها المالي للفلسطينيين.
وكان تدفق الأموال من الخارج، وهو الوقود الذي يحرك الاقتصاد الفلسطيني، قد تجمّد عندما فازت «حماس» بانتخابات العام 2006، ثم أطلق عندما استولت «حماس» على غزة في يونيو/ حزيران الماضي.
نذكر أنه ردا على هذا الاستيلاء قام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بإقالة حكومة حديثة العهد وعين مكانها حكومة جديدة في رام الله لتقوم بعمل الحكومة إلى حين إجراء الانتخابات المقبلة.
وقد ساعدت التطورات الأخيرة القطاع الخاص، وهو القوة الدافعة وراء الاقتصاد، على استعادة وتوليد نمو بأرقام مرتفعة قدرت بعشرة في المئة في نهاية العام 2007.
ويشعر الآن البعض من الناس العاديين وأصحاب الأعمال الابتكاريين بتفاؤل حذر بشأن وضع اقتصادهم. وهم يأملون أن يتمكنوا من المحافظة على هذه النسبة عبر السنوات الثلاث المقبلة، بحسب مخططات الحكومة.
بعد سنوات من الركود يوفر الاقتصاد اليوم الأمل والشجاعة لرجال الأعمال الابتكاريين المحليين لاستثمار المزيد في الأسواق المحلية. بحسب قول صاحب متجر «بست باي» الأميركي الدولي للإلكترونيات في المدينة بسام حمدان.
«أعتقد أن مفتاح الازدهار الاقتصادي هو الأمن والاستقرار»، كما يشرح حمدان. «لدى الحكومة خطة تنموية واعدة وهي مصممة على رعاية الجو المناسب لتنفيذها».
وتشكل خطة التنمية والإصلاح الفلسطينية للسنوات الثلاث التي أعدتها السلطة الفلسطينية خطوة رئيسية نحو ربط السياسات والتخطيط ووضع الميزانيات.
وعكست الخطة المصممة لإيجاد تحسن ملحوظ في الظروف الحياتية أولا هدفا متواضعا من النمو بلغ 6 في المئة سنويا، بحسب ما صرح به عيسى عاشور، وهو خبير اقتصادي يعيش في المدينة.
وتضم الخطة سلسلة من الإصلاحات العملية التي تتمحور حول احتواء الإنفاق، إضافة إلى سلسلة من سياسات شاملة على المدى المتوسط تهدف إلى توجيه السلطة الفلسطينية نحو الاستدامة المالية. وقد ساندت الأطراف الدولية التي تدعم السلطة الفلسطينية برنامج السلطة هذا، وتعهدت بتقديم 7.4 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة لدعم الأهداف الاقتصادية لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، كما يشرح مسئول سابق في البنك الدولي.
«هذه التبرعات السخيّة تُبرز ثقة المجتمع الدولي في الحكومة الراهنة التي يرأسها فياض، الذي يريد فعليا أن يساعد شعبه ويحسن من مستوى حياتهم» كما يقول الخبير الاقتصادي عيسى عاشور.
ويزيد مبلغ الـ 7.4 مليارات الذي تم التعهد به عن الكميات التي تقدمت الحكومة الفلسطينية بطلبها، ولكنها لم تصل حدود الـ 8.4 مليار دولار الذي يعتقد البنك الدولي أنه يمثل خسارة الفلسطينيين الاقتصادية نتيجة لتحديد حركة تنقلهم الذي فرضته «إسرائيل» خلال السنوات الخمس الماضية. لا يمكن الجزم بما إذا كانت نقطة التحول هذه ستأتي بتحسن جاد وملموس على طريق الاستقرار الحقيقي في المنطقة، ما لم يحصل تحوّل حقيقي صادق في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع القيود الإسرائيلية المستمرة على تطور السلطة الفلسطينية، بحسب رأي مستشار الأعمال البارز سام بحّور. يجب أن يكون القطاع الخاص الفلسطيني في وسط العملية، وهو المكان الوحيد الذي يمكن فيه تحقيق نمو مستدام. لذلك يجب أن يتضمن أي تدخل من قبل المانحين دعم القطاع الخاص الفلسطيني، كما يؤكد بحّور.
إلا أنه سيكون من المستحيل تحقيق النمو الاقتصادي الذي تتوقعه السلطة الفلسطينية إذا استمرت «إسرائيل» في إحكام قبضتها الحديد على الحركة الفلسطينية، كما يقول عبدالحافظ محارب، وهو خبير اقتصادي وسياسي. «إذا راوحت الحواجز ونقاط التفتيش والإغلاقات والقيود على السفر مكانها فإن التوقعات الاقتصادية ستكون من الدرجة الثانية ولن تتمكن من تحقيق أية نتائج ملموسة» كما يضيف محارب. وترفض «إسرائيل»، مشيرة إلى قلقها الأمني، تفكيك أكثر من 600 نقطة تفتيش تشلّ حركة التنقل الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو أمر حاسم لإعطاء دفعة للاقتصاد الضعيف. وشجع النمو الاقتصادي الأخير شركات كبرى مثل مجموعات «باديكو» و «بالتيل» على التخطيط لاستثمارات كبيرة في السوق المحلية.
ويملك مجموعة باديكو رجل الأعمال منيب المصري. أما الشركات الخمس في مجموعة بالتيل، التي تملك الاحتكار الفلسطيني على الاتصالات فيديرها صبيح المصري. ويُظهِر التقرير السنوي للمجموعة أن بالتيل حققت أرباحا خيالية بلغت 200 مليون دولار في الربع الثالث من العام 2007، أي بزيادة بلغت 13 في المئة على العام 2006.
وخصصت بالتيل، التي تحقق 12 في المئة من الدخل المحلي الإجمالي الفلسطيني أخيرا مبلغ 400 مليون دولار لمشروعات جديدة في الضفة الغربية. وتضم هذه المشروعات الجديدة إنشاء عدد من الشركات التجارية والتقنية.
يشكل الاختراق الجديد في العملية السلمية واحتمالات أن تحقق الأطراف اتفاقية بشأن الوضع النهائي بحلول نهاية العام السبب الرئيسي في هذا النمو المفاجئ في الاقتصاد. «أعتقد أن الظروف أصبحت مواتية لذلك. كلا الطرفين سئم العنف ويتطلع قدما إلى السلام والاستقرار»، كما يقول عبد أياسي، الصحافي البالغ من العمر 28 عاما والمقيم في رام الله. يأمل الفلسطينيون أن يؤدي التدخل الأميركي إلى اتفاقية سلام. وكما يرون الوضع فإن البديل هو المزيد من الإحباط والعنف اللذين لا يؤديان إلى أي مكان.
*مراسل في «الميديا لاين»، يقيم في المناطق الفلسطينية، وقد عمل محررا ومحللا سياسيا
في «الجيروزاليم تايمز» الأسبوعية، وعمل بشكل أوسع في الإعلام التربوي كمدير مشروع «AMIN»
الإعلامي في رام الله، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1993 - الثلثاء 19 فبراير 2008م الموافق 11 صفر 1429هـ