كانت من أولى خطوات الإصلاح، التوجه نحو الحكومة الإلكترونية، فدشنت «البطاقة الذكية» لتكون المعبر إلى ذلك. وبالأمس قرأنا أن هناك توجها لدى وزارة الأشغال إلى إنشاء «مواصلات ذكية» أقل كلفة ومن شأنها أن تحد من أزمة الاختناقات المرورية وكذلك تلوث البيئة من عوادم السيارات.
مشروعان (ذكيان) فعلا لو طبقا على الواقع كيفما هو معلن عنهما! في المشروع الأول (البطاقة الذكية) مازالت مجموعة ليس عددها بقليل جاهلة لفائدتها؟ ولماذا استبدلت البطاقة السكانية بالذكية، إذ إنهم لم يلمسوا فارقا كبيرا في التعامل بالبطاقتين، أوله أن (الذكية) لم تقصر المسافة في جعلها في متناول اليد... فأيام البطاقة السكانية كنا نستيقظ فجرا متوجهين إلى «كشك» التجديد أو الاستخراج، كي يتسنى لنا الحصول على موقف للسيارة أولا، وحتى نحظى برقم (صغير) يؤهلنا إلى إنجاز المعاملة في وقت (أقل) مما لو ذهبنا متأخرين (وليس في كل مرة تسلم الجرّة)!
ثم بشرنا بـ (الذكية) و أن بواسطتها ستحل كثيرا من أزماتنا مع «طوابير تخليص المعاملات» التي تسرق من وقتنا الكثير، ومن «أرجلنا» قدرتها على الوقوف... ولكننا بعد حين اكتشفنا أن عملية استئصال «الانتظار» المزمن لدينا من جذوره لم تحن بعد، وأن كل ما في الأمر أنهم قاموا بـ «تجربة» أثبتت فشلها، وكل ما استطاعوا فعله أن يسكنوا آلام مفاصلنا بمهدئات «إلكترونية» تجنبنا طوابير الوقوف ولكنها لا تلغي عنا الانتظار الطويل!
«المواصلات الذكية» قد تكون ذكية أيضا، ولكن ألستم معي أننا بحاجة إليها في أسرع وقت ممكن، طالما نحن مهددون بالفناء (بيئيا وصحيا)؟! فحالتنا يرثى لها ووضعنا لا يحتمل التأجيل وطول الانتظار إلى سنة 2030 وهو الموعد المزمع فيه الانتهاء من هذا المشروع، إن صدق القول أولا ولم تعترض الموازنة وسوء التخطيط طريق المشروع، كما عادتها جميعا في المشروعات التي نسمع بها ونستبشر ثم يمحو الانتظار ذكراها من أدمغتنا!
إزاء ذلك، نستكشف أننا لسنا بحاجة إلى مشروع (ذكي)، بقدر حاجتنا إلى أناس (أذكياء) يستوعبون قدر (الذكاء) المضاف على عاتقهم، فيجعلونا جميعا (أذكياء) في التعامل معهم، والتصديق أساسا بأنهم (أذكياء)، وإلا تحول المشروع إلى «غبي» بل وفي قمة الغباء إن كانت ستصرف لأجله الملايين ولن يغير من الحال قيد أنملة!
وبعد... نحن بحاجة إلى أكثر من مشروع (ذكي) ينتشلنا من الوضع المتردي الذي نعيشه وعلى جميع المستويات التي مافتئنا ونحن نجلجل بها في كل محفل وبين بعضنا بعضا. بحاجة إلى مشروع (ذكي) يقتص من الانتظار الذي نهش سنوات عمرنا مخلفا الإحباط واليأس من تحسن أوضاعنا المعيشية والسكنية والاجتماعية والاقتصادية.
وليست أوضاعنا السياسية بمنأى عن مسببات الألم، بل هي أول من يحتاج إلى «تصفية ذكية» توقف كل منافق/ مطبل/ مزمر/ متمصلح/ متنفذ/ متسلط/ طائفي/ ظالم/ غير منصف/ مخرب للبيئة/ مدمر للإنسان والإنسانية/ مستول على خيرات البلاد والعباد... إلخ من المخربين (وما أكثرهم) عند حدهم. مشروع أذكى من (الذكاء) نفسه، لو طبق سيعم السلام البلاد وستجد الكل راضيا قانعا بما عنده، غير مضطر إلى الاحتجاجات والتظاهرات التي تقلق الحكومة وتثير اشمئزازها وسخطها.
مشروع واحد يلغي كل «الغباء» المتراكم منذ سنين عوضا عن المستجد منه، الذي أدخلنا في دهاليز مظلمة تعشش فيها الخفافيش فتحرمنا راحة البال في ليلنا ونهارنا... مشروع لن يكون (ذكيا) حقا إلا لو وجد قائد (ذكي) يتولى مهامه، وجنود (أذكياء) ينفذون أوامر قائدهم ويرفعون عنه الزلل الذي قد يوقع فيه، شعارهم «المصلحة العامة» قولا وفعلا... جنود مختلفون عن جنودنا الحاليين!... و «صبري يا حريقة سار»!
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1992 - الإثنين 18 فبراير 2008م الموافق 10 صفر 1429هـ