استمتعت بقراءة مقال الأخ سعيد الحمد «أصوليون تفضحهم التجربة» المنشور في احدى الصحف البحرينية يوم الأربعاء 28 محرم 1429هـ، وملخصه أن «أحدهم» نشر مقالا لتركي الحمد على أنه للشيخ عايض القرني فلقي المقال استحسانا ممن أسماهم «الأصوليين» وبعد أن اكتشف هؤلاء أنه للحمد انقلبت مواقفهم مباشرة، وعلل سعيد الحمد سبب ذلك بأن «الأصوليين» يتعاملون مع الأسماء وأن عقولهم مؤدلجة باتجاه واحد، ثم أنهى مقاله بالتحذير من هؤلاء «المتطرفين» الذين سيقودون الأمة إلى مصير مجهول!
وعلى رغم أنني لم أقرأ ما نشر على الموقع «الأصولي» فإنني أصدق ما قيل عن الحادث لأنه ليس الأول من نوعه وأعتقد بأنه لن يكون الأخير وأعرف أن أصحاب تيارات متنوعة مروا به ومر بهم.
كنت أتمنى من الأخ سعيد أن يعطينا تعريفا نتفق عليه عمن أسماهم «الأصوليين»، لكنني أعرف أنه لن يستطيع ذلك فهو مثل سواه ممن أسماهم «أصوليين» إذا غضبوا على شخص قالوا: هذا «علماني» أو «ليبرالي» فإذا سألت أحدهم تعريفا محددا لهذا المصطلح يتفق عليه معظم الناس عجز عن ذلك...
وللأسف الشديد انتشرت بيننا مصطلحات هلامية يستخدمها بعضنا ضد الآخر من دون أن يعرف بدقة هل ما وصف به غيره ينطبق عليه أم لا، ومن هذه المصطلحات «الإرهاب»، «الأصولية»، «العلمانية»، «الليبرالية»، «الأدلجة» وربما سواها.
وقد رأيت البعص يطلق على «أحدهم» وصف «الليبرالي» بينما أعرفه من أكثر الناس تدينا وآخر يطلق على «أحدهم» وصف «الأصولي» بينما أعرفه من أكثر الناس اعتدالا وتسامحا وهكذا بدأت حرب المصطلحات من دون أن نفكر بعقلانية كيف يمكن أن نتعامل معها بعلمية ودقة.
أما الأدلجة بمفهومها اللغوي فكل واحد منا مؤدلج بمن فيهم سعيد وتركي وسواهم، وكل واحد عاقل فهو مؤدلج ولهذا لا يصلح إطلاق المصطلح على أحد بقصد الذم ومع هذا فما أكثر ما يحدث بين الكتاب والمثقفين الذين يفترض فيهم أن يكونوا أكثر دقة من سواهم...
تعليق تركي الحمد على الحادث كان دقيقا وواقعيا فالبعض يتعامل مع الأسماء وليس مع الأفكار التي يطرحها، فإذا كان عند البعض حكم مسبق على شخص فهو يتعامل معه بحسب ذلك الحكم ولا يكلف نفسه عناء قراءة ما كتب مع أنه من المعروف أن إعطاء حكم واحد ومستمر على شخص أمر غير صحيح على الإطلاق، وأن الاعتقاد بأن هناك إنسانا من «الملائكة» أو من «الشياطين» أمر مرفوض وبالتالي فيمكن أن نتفق مع شخص في أشياء ونختلف معه في أشياء أخرى وهذا هو التعامل المنطقي العلمي.
حادث مشابه للذي ذكره الحمد وقع قبل عدة عقود مع أحد علماء الهند، هذا العالم كان يكفر الامام محمد بن عبدالوهاب من دون أن يقرأ شيئا من كتبه، واكتفى في حكمه على ما كان يسمعه عنه، فقام أحد محبي الشيخ بإهدائه أحد كتب الشيخ بعد أن نزع اسمه عن الكتاب وطلب منه أن يقرأه وأن يعطيه رأيه فيه. عاد إليه بعد أيام وسأله عن تقييمه للكتاب فأثنى عليه الشيخ كثيرا فقال له: إنه للشيخ محمد بن عبدالوهاب...
هذا الحادث تكرر بصورة متنوعة هذه الأيام وعند من يحملون أفكارا مسبقة عن الشيخ فتراهم يتغيرون عندما يرون أن حقيقة ما يقرأونه تختلف عن أحكامهم السابقة التي توارثوها بالسماع...
أشياء مشابهة أسمعها عن أصحاب التيارات الفكرية المتنوعة فبعض أتباع هذه التيارات يفعلون الشيء نفسه مع سواهم وللأسباب نفسها أيضا...
الذي أتمناه ألا يقع العقلاء في هذه المنحدرات وأن يكونوا صمام أمان للأمة من الاختلاف والتناحر وتبادل الاتهامات العشوائية التي تسيء لهم جميعا وتضعفهم جميعا...
الاختلاف حق مشروع ولكن ينبغي أن يكون في إطاره الصحيح ليحقق النتائج المرجوة منه.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1992 - الإثنين 18 فبراير 2008م الموافق 10 صفر 1429هـ