ربما تنجح وزارة الشئون الخارجية في تجاهل موضوع المطالبات بالعدالة الانتقالية، الذي ما فتئت تطرحه الجمعيات الحقوقية والسياسية منذ خمس سنوات، وذلك في مسودة التقرير الأخير.
ولعلها ستنجح في عرضها الجميل لما تحقّق للمرأة والطفل ولكنها ستواجه مشكلة كبرى في نفي وجود التمييز الطائفي ضد أحد المكونات الأساسية لشعب البحرين، على رغم ما تعلنه من التزامٍ بالتطبيق الكامل لاتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز العنصري.
حتى هذه المعضلة ربما، وأؤكد كلمة ربما، قد تجد الحكومة طريقا التفافيا للإفلات من التهمة البشعة بالتمييز بين مواطنيها وأبنائها، على أسس عرقية أو مذهبية أو حتى قبلية. لكن هناك معضلة أكبرَ لا يمكن الالتفاف عليها، وهي أوضاع العمالة الأجنبية والاتجار بين البشر، وهما ترتبطان بسياسات التنمية وخياراتها.
يمكن الاحتفال غدا بإطلاق مسودة تقرير مملكة البحرين الأول أمام مجلس حقوق الإنسان، بشأن المراجعة الدورية الشاملة، وتقديم أفضل عرضٍ نظري لقوانين وسياسات البحرين والتزاماتها الدولية، ولو جاء ذلك قبل شهرين لأمكن الإصغاء إليه... أما بعد أخبار إضرابات العمال الأجانب في عدد من الشركات في الأسابيع الأخيرة فذلك يتطلب إجراء«تحديث» جوهري للمسودة.
دولة الإمارات واجهت قبل سنوات، فضيحة استغلال الأطفال الأفغان والباكستانيين والموريتانيين، بعد انكشاف طرق تهريبهم أو «استرقاقهم» وما يعانونه من أمراض بسبب نومهم في الاسطبلات مع الحيوانات. وكان يجري الاتجار بهؤلاء الأطفال وهم دون سن العاشرة، للمشاركة في سباقات الهجن لخفة وزنهم ومهارتهم التي اكتسبوها لعملهم في رعي الإبل في سن مبكرة. ويقول ممثل اليونيسdف في موريتانيا سليمان ديالو: «إن في الإمارات وغيرها من البلدان التي توجد فيها ثقافة بدوية مماثلة، يعتبر سباق الهجن أحد التقاليد»! هذه الفضيحة أثارت موجة من الاستياء العالمي، دفعت الإمارات إلى فرض حظر على استخدام الأطفال دون سن 16 في سباقات الهجن، للحد من استغلال الأطفال لمجرد الترف والرغبة في إحياء بعض التقاليد البدوية.
وقبل أشهر، واجهت دبي مشكلة من نوع آخر، وهو إضرابات العمال الأجانب الذي أدى إلى أعمال احتجاج وعنف، كشفت الستار عما يجري من «سخرة» تقوم عليها المشروعات العمرانية الضخمة التي تبهر بعض ضعاف النظر. ونحن لسنا أكثر إنسانية فيما يخص العمالة الأجنبية المهاجرة من الأحياء الآسيوية الفقيرة، ولكن من حسن حظ دبي، أو لسوء حظنا، أن القرعة حكمت علينا بالوقوف في المنصة أمام العالم أجمع، لتقديم تقرير دوري عن أوضاع حقوق الإنسان عندنا في أبريل/نيسان المقبل.
ربما يمكن الالتفاف على المسائل الداخلية التي طال تجاهلها وإهمالها، بما فيها وسائل انتصاف الضحايا والمعذَّبين، وحقوق الضحايا في التعويض العادل والمنصف لضحايا التعذيب في الماضي وهم بالآلاف، لكن ماذا يمكن أن يقول التقرير بشأن شبكات الاتجار بالبشر، ومافيات تهريب الرقيق الأبيض، وما يجري من تجارةٍ بالأجساد البشرية في الفنادق والشقق المفروشة، التي وصفها وزير الإعلام السابق محمد عبدالغفار بالمواخير.
أعمالُ سخرةٍ ومواخير واتجارٌ بالبشر والنساء والأطفال والعمال الأجانب والخادمات المستوردات من أحزمة البؤس في البلدان الفقيرة... أي كاتب تقرير يمكنه أن يدافع عن كل هذه البثور المتقيّحة في اقتصاد السوق الذي لا يرحم؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1992 - الإثنين 18 فبراير 2008م الموافق 10 صفر 1429هـ