الـ 40 مليون دينار التي أدخلتنا في «حيص بيص»، وأرجعتنا أطفالا متسمّرين أمام الشاشات لمتابعة مسلسل «توم أند جيري»، عدا عن الـ 10 ملايين دينار، بدل السكن لمن ينتظر الفرج الذي لن يجيء! تدفعنا دفعا إلى تحريض المواطنين على أنْ يتحوّلوا إلى لصوص ومرتشين ومرابين كي يستغنوا عن تلك «الصدقة»، إذ اللصوص (من الدرجة الثالثة) استطاعوا - ولا يزالون - «التكويش» على أضعاف تلك المبالغ المقرر صرفها على شعب بأكمله ولمدة عام، في شهور معدودة! فيما بعض النواب مازال مصرّا على أخذ أكثر من «استخارة» كلّ بحسب طريقته ومرجعيته الفقهية والمذهبية، كي تبرأ ذمتهم من (خلط عمل صالح بآخر سيئ).
أخذتُ عهدا على نفسي بعد الأداء الأكثر من سيئ لمجلس النواب، ألا أخوض في أيّ أمر يتناوله، وعزائي أنّ الدستور يمنحني الحق أن أصوّت أولا أصوّت، من دون أنْ أطعن فيمن ارتأى الإعراض عن التصويت جزء (من عمل الشيطان، ربما يقود صاحبه إلى نفرة غير محمودة ومحسوبة!).
الأداء الحالي لأعضاء مجلس النواب يدفع أيّ واحد منّا - مادام موظفا، ينتظر نهاية الشهر - إلى توقيت منبه هاتفه، أو ساعته لمتابعة أفلام (mbc2) في الأوقات الآتية: الساعة السابعة، التاسعة، الحادية عشرة، الواحدة، الثالثة، الخامسة... الخ و«تروح عليه نومه» ولا يستطيع أنْ ينهض من سريره، ويتغيّب عن العمل؛ ليتلقى لفت نظر، وقد يكون خصما من راتبه، وإذا تكرّر الأمر ثلاثا، سيجد نفسه متسوّلا من أمه (إذا كانت ثرية) ومن أقاربه إذا كانوا ناشطين في سوق الأسهم، ومن زوجته، إذا ورثت أرضا أو حتى (حوطة غنم) لكن كلّ ذلك يظل أشرف وأهون من أن تكون طرفا في هذه المعادلة التي لا حل لها!
فقط من حق كلّ واحد منّا أن يسأل: لماذا يظل بعض النواب متوهمين بأن النيابة التي أدخلتهم المجلس، هو اختيار إلهي لا يمكن معارضته أو الرد عليه؟ لماذا تظل الحكومة تتعامل مع شريحة عريضة وكبيرة من مواطنيها باعتبارها (قطيعا) هي صاحبة حق تحديد نوعية (علفه) وتوقيت الرمي له بذلك العلف؟. لماذا يطلع علينا أحد ضباط وزارة الداخلية متوعّدا باستخدام أسلحة أكثر فتكا مما هو حاصل ومتبع، وكأننا شعب وجد لتجريب حزمة وباقة لا نهاية لها من الأسلحة، بدءا بـ «الفلفل المطحون» وليس انتهاء بـ «الأكثر فتكا»، فيما بعض النواب يكتفي بالفرجة، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؟!
سئمنا هذا التهريج والإذلال البيّن الذي لا يستحق كلّ هذا (السحق). سئمنا «الأفلام البايخة» و»العنتريات المفرغة» من قيمتها وحقيقة فعلها وأدائها. سئمنا فرجة العالم علينا. فرجة (علفٍ) تتردد الحكومة وتحتاط في تقديمه، ربما تطبيقا لمثل شهير: «جوّع كلبك يتبعك»، ولكن مَنْ قال إن الكلب دائما ما يتبع صاحبه إذا جاع؟
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1992 - الإثنين 18 فبراير 2008م الموافق 10 صفر 1429هـ