من شأن تطبيق مشروع السوق الخليجية المشتركة تعزيز مستويات التجارة البينية بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وكانت الدول الست (السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين) قد دشنت المشروع مع انطلاق العام 2008 بعد 27 عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي.
وكان قادة دول المجلس قد اتفقوا على بدأ العمل بالمشروع الطموح في ختام القمة الثامنة والعشرين والتي عقدت في العاصمة القطرية (الدوحة) في نهاية العام 2007. وقد تم وصف القمة بقمة الانجاز الاقتصادي لأنها رسمت الطريق أمام تحقيق هدف رئيسي لإنشاء مجلس التعاون في بادئ الأمر.
عشرة مسارات
يشتمل مشروع السوق المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي على عشرة مسارات وهي: حرية التنقل والإقامة، العمل في القطاعات الحكومية والأهلية، التأمين الاجتماعي والتقاعد، ممارسة المهن والحرف، مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية، تملك العقار، انتقال رؤوس الأموال، المساواة في المعاملة الضريبة، تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
وحسب الأمانة العامة لمجلس التعاون يهدف المشروع «إلى إيجاد سوق واحدة يتم من خلالها استفادة مواطني دول المجلس من الفرص المتاحة في الاقتصاد الخليجي، وفتح مجال أوسع للاستثمار البيني والأجنبي، وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصادات الحجم، ورفع الكفاءة في الإنتاج، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية».
من المتوقع أن يتم تسجيل تقدم نوعي بشكل أسرع في بعض المسارات دون غيرها مثل قطاع الخدمات المالية وتحديدا مجال تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات فضلا عن انتقال رؤوس الأموال إضافة إلى تملك العقار. وفي تطور لافت يعكس استمرار عدم فتح الفرص الاستثمارية بين رعايا دول المجلس، كشف نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الطاقة القطري عبدالله العطية عن اقتصار شراء أسهم شركة (الخليج العالمية للخدمات) على المواطنين القطريين. ومن المنتظر أن يتم تدشين عملية الاكتتابات الأولية في وقت لاحق. كما يخشى عدم إحراز تقدم سريع نسبيا في بعض المسارات لأسباب لها علاقة بالبيروقراطية في الدوائر الرسمية.
بعض الاستثناءات
يشكل استصدار وتوحيد التشريعات من أهم التحديات التي تواجه مشروع السوق المشتركة. يشار إلى أن كلا من دبي والبحرين تعتبران السباقتين في تنفيذ بعض مبادئ السوق المشتركة وخصوصا الأمور الحيوية مثل حرية تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات فضلا عن تملك العقارات. ومن شأن بعض التطورات الحديثة من قبيل تأسيس شركات طيران اقتصادية مثل «العربية» و»الجزيرة» وحديثا «طيران البحرين» المساهمة في انسيابية التنقل بين مدن دول مجلس التعاون لعامة المواطنين.
من جهة أخرى، تستثنى من مشروع السوق المشتركة أربعة أمور وهي: خدمات الحج والعمرة، استقدام العمالة، الصحف والمجلات، والوكالات التجارية. لكن يتوقع حدوث انشراح فيما يخص الوكالات التجارية في ضوء رغبة الدول الأعضاء في فتح أسواقها وبالتالي تعزيز المنافسة، ما يعني توفير فرص للمستهلكين للحصول على أسعار تنافسية وخدمات راقية. بالمقابل، من المتوقع أن تواصل السعودية قصر خدمات الحج والعمرة على المؤسسات السعودية لأسباب أمنية وتجارية. كما يوجد تفاوت في مستويات الحرية الممنوحة لوسائل الإعلام بين الدول الست ما يعني استمرار الاستثناء لفترة غير محدودة.
التجارة البينية الخليجية
حسب بعض الإحصاءات القليلة المتوفرة يتراوح حجم التبادل التجاري بين الدول ما بين 20 إلى 25 في المئة في الوقت الحاضر. يعتقد حدوث تراجع نسبي في الأهمية النسبية للتجارة البينية في الآونة الأخيرة وذلك على خلفية تعزيز الصادرات من الدول الأعضاء وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية. ويساهم القطاع النفطي بأكثر من ثلثي الصادرات لجميع الدول الأعضاء من دون استثناء. لكن من المتوقع أن تزداد التجارة البينية بين الدول الست مع مرور الزمن عن طريق الاستفادة من الفرص المتاحة في الدول مجتمعة.
الأمر المؤكد هو أن تعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء يمثل مرحلة مهمة قبل إطلاق المشروع الأكثر طموحا أي الاتحاد النقدي الخليجي في العام 2010 أو ربما في وقت لاحق من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. بل من شأن الإسراع في تطبيق مشروع السوق المشتركة مثل تكامل الأسواق المالية فضلا عن تعزيز الاستثمارات البينية وسهولة تنقل الأفراد كلها تمهيد الطريق أمام تنفيذ مشروع الوحدة النقدية.
تجربة الاتحاد الأوروبي
يشار إلى أن حجم التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي يزيد عن 40 في المئة عن حجم تجارة الدول الأعضاء مع العالم الخارجي. وحتى العام 2004 كان مستوى التبادل التجاري البيني بين الدول الأعضاء يقترب من نصف التجارة العالمية لدول الاتحاد. ويعود التراجع إلى دخول دول أخرى (تحديدا 12 دولة) في غضون ثلاث سنوات آخرها كل من بلغاريا ورومانيا واللتين انضمتا في بداية العام 2007. وكانت عشر دول أخرى قد انضمت رسميا إلى الاتحاد الأوروبي في بداية أيار/ مايو من العام 2004 وهي: قبرص، جمهورية التشيك، سلوفاكيا, سلوفينيا، أستونيا، لاتفيا, ليتوانيا، مالطا، بولندا والمجر.
بالمقابل، حافظ مجلس التعاون الخليجي على عدد الأعضاء نفسه منذ إطلاقه ما يعني أن المستثمرين على دراية بأوضاع الأسواق المحلية والتي تشترك في الكثير من المزايا مثل الرغبة في الاستهلاك والاقتراض. المأمول أن يساهم مشروع السوق المشتركة في تعزيز التجارة البينية وبالتالي التكامل الاقتصادي الخليجي الأمر الذي يخدم الهدف الأسمى من انطلاق مجلس التعاون الخليجي في العام 1981. ما يهم في نهاية المطاف هو ضرورة اكتساب مواطني دول المجلس الفوائد الاقتصادية من دخول المشروع حيز التنفيذ. ربما حان وقت قطف ثمار إنشاء مجلس التعاون الخليجي.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1992 - الإثنين 18 فبراير 2008م الموافق 10 صفر 1429هـ