وثيقة مبادئ تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية أقرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الطارئ بالقاهرة في 12 فبراير/ شباط الجاري لا يمكن اعتبارها «خطوة جريئة فى طريق دعم صناعة الإعلام العربي»، كما ورد في تقرير رسمي... كما لا يمكن اعتبارها وسيلة «للارتقاء» بمضمون الإعلام العربي «عن طريق تفعيل ميثاق شرف يوازن بين قيمتي الحرية والمسئولية بما يصون المجتمع العربي من التأثيرات السلبية التي تمارسها بعض القنوات الفضائية العربية والتي تتنافى مع الأخلاق والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمعات العربية والإسلامية».
نعم إننا بحاجة إلى عدم السماح لمحطات الشعوذة أو الإباحية أو الإرهابية، ولكن هذا ليس هو الهم الأول لـ «مواثيق الشرف العربية»، التي تخشى من حرية التعبير عن الرأي أكثر من خشيتها من المشعوذين وأمثالهم. ونحيّي أية دولة رفضت التوقيع على الميثاق لأنه يعود بنا إلى عصور سحيقة تخطاها العالم. وبحسب البيانات الرسمية فإن الفقرة الأولى من البند الثالث للوثيقة تنص على أن «الالتزام باحترام حرية التعبير بوصفها ركيزة أساسية من ركائز العمل الإعلامي العربي على أن تمارس هذه الحرية بالوعي والمسئولية بما من شأنه حماية المصالح العليا للدول العربية وللوطن العربي واحترام حريات الآخرين وحقوقهم والالتزام بأخلاقيات مهنة الإعلام».
إن مثل هذه العبارة تذكرنا بحقيقة أن معظم دساتير الدول العربية ليست سيئة من حيث المواد فيما لو أزيلت القيود... فكل مادة دستورية تنتهي بمعوق يغلق الحريات العامة، إذ تشير المادة إلى أن الحرية مكفولة «بحسب القانون»، ومن ثم يأتي القانون ويغلق الحرية، فتصبح الحرية المفتوحة دستوريا «مغلوقة قانونيا»... والحال هو ذاته مع ميثاق شرف تنظيم البث الفضائي، الذي ينص على الحرية ولكن بشرط أن المسئولين في الدول العربية يقررون أن محتوى البث «لا يمس المصالح العليا»، وإذا علمنا أن إجراء مقابلة مع رأي معارض تقريبا في كل الدول العربية، فهذا يعني أن البث سيصبح معرّضا للقطع وإغلاق المكتب.
إن هذه الوثيقة تحاول توفير غطاء قانوني لحجب العرب عن العصر، ولكن ربما انهم يحرثون البحر هذه المرة... فإذا كان بالإمكان منع بث فضائية هنا أو هناك، فإن عدد الفضائيات خارج البلدان العربية في ازدياد... وقريبا ستبدأ فضائية الـ «بي بي سي» البث، وستشترك مع «الجزيرة» و «العربية» في بث الأخبار والتقارير، وستتمكن من تغطية ما تودّ تغطيته من دون قيود يتمّ فرضها على صناعة الإعلام العربي.
إن الدول العربية مدعوة للتعلم من تجارب الآخرين، ولربما أن الأقرب لنا هي تركيا، إذ يمكن لحكومات الدول العربية أن تبعث بمن يمثلها إلى هناك ليتعرفوا على معنى صناعة الإعلام، وبعد ذلك يمكنهم أن يفتحوا أعينهم ليروا أن مستقبلهم في التنفيس عن شعوبهم وليس في فرض المزيد من القيود.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1992 - الإثنين 18 فبراير 2008م الموافق 10 صفر 1429هـ