العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ

البحارنة والمهمة الصعبة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نشر موقع وزارة الخارجية مسودة تقرير مملكة البحرين الأول أمام مجلس حقوق الإنسان، بشأن المراجعة الدورية الشاملة، ويقع في 40 صفحة. المسودة تقدّم عرضا لدستور وقوانين وسياسات البحرين، والتزاماتها الدولية، والتعهدات الطوعية، وأوضاع حقوق الإنسان، والتحديات والاستجابات على أرض الواقع، وتنتهي بملاحظات ختامية وخمسة ملاحق.

هذا من الناحية الفنية، أما من الناحية الواقعية، فإن أمام وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة مهمة صعبة، فعملية السرد التقريري لا تكفي لاجتياز الامتحان، فالبلد أمام استحقاقات مؤجلة، أخفقنا - حكومة ومجتمعا مدنيا- في الاتفاق عليها، وخصوصا موضوع المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، التي يصر الجانب الرسمي على أنها أنجزت بالكامل في العام 2001، وهو أمرٌ لا تسلّم به الفئات المتضرّرة من الحقبة السابقة وهي بالآلاف.

على أن هناك عقباتٍ أكبرَ من أمام التقرير، فحتى لو نجحت الوزارة في تجاوز موضوع «العدالة الانتقالية»، فهناك موضوع «التمييز» ضد أحد مكونات المجتمع الأساسية. هذه المعضلة لن يجدي للتستر عليها سرد مواد الدستور الجميلة التي تتحدّث عن المساواة وتكافؤ الفرص، بينما هناك تمييزٌ منهجيٌ يطبّق على الأرض، ولن يفلح في إخفائه خلق اصطفافات طائفية قائمة على أساس توزيع «الامتيازات والمنح» مقابل «الولاء السياسي».

إن أصعب ما سيواجهه الوزير البحارنة نفي هذه الصورة القاتمة، التي لن تجدي معها كل عمليات التجميل وإزالة التجاعيد، فالمجتمع يئن من هذا الداء العضال، ويحتاج إلى مراجعةٍ نقديةٍ وشجاعةٍ لتصحيح المسار. وهو أمرٌ لن يتحقق مادامت هناك أبواقٌ صحافيةٌ تنعق للدفاع عن التمييز واختلاق مبررات استدامته؛ ومادام هناك نوابٌ جعلوا أنفسهم درعا لصد محاولات التصحيح ومحاربة التمييز، حتى بما يخالف قناعاتهم الفكرية والفقهية والمبادئ الأخلاقية والفطرة البشرية السليمة.

إن «التمييز» فضيحة العصر، وسيسجل اسم الوزير البحارنة بماء الذهب لو استطاع تقديم مقاربةٍ تنفي وجود هذه الممارسة على الأرض. فالتمييز الطائفي لم يعد شعارات ترفع لترد عليها بشعارات، أو مقالات ترد عليها بمقالات، بحيث يمكن التلاعب بالألفاظ، فسياسات التوظيف في وزارات معينة كالتربية والتعليم، لا تحتاج إلى كثير جهدٍ للوقوف على حقائق الوضع، من حيث التوظيف والتعيين والترقيات والبعثات. وهو أمرٌ تناولناه بالنقد المستفيض قبل أشهر، ولم تتجرأ الوزارة على نفيه بالأدلة والأرقام، وإنما كل ما حدث هو صدور أوامر من بعض «الجهات» بعدم الرد!

إن التمييز يعتبر جريمة كبرى في هذا العصر، ولا يليق ببلدٍ متحضّر أن يسمح بممارسته تحت أية دعوى أو تبرير، ولا يجوز السماع للأقلام «العنصرية» الشاذة التي تزيّنه وتدافع عنه. فالأرقام تفضح الممارسات «العنصرية» التي نزلت بنسبة تمثيل مكوّن أساسي من مكونات الشعب البحريني من 17 في المئة في العام 2000 إلى 7 في المئة فقط في العام 2007. والحديث عن التمييز اليوم انتقل إلى البرلمان، وشهدنا للأسف واحدا من أغرب الاصطفافات الطائفية، بما أكّدَ وقوع التمييز وكشف الطبقة الطفيلية المستفيدة من هذه الانتهاكات الفاضحة لحقوق البشر.

البحرين أمام امتحان عسير، لن تنجح فيه بتقديم تقرير وردي مزركش، وإنما النجاح يبدأ بمعالجة التمييز.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً