في كتابه القيم «الحرب الكونية الثالثة - عاصفة سبتمبر والسلام العالمي» تحدث الكاتب المصري الكبير السيد ياسين عما شكلته حوادث 11 سبتمبر/ أيلول الأليمة من خرق كبيرة لعادة التنبؤات والتصورات الاستراتيجية التي طرحها المحللون الاستراتيجيون، فمثل هذا الحدث لم يكن أبدا في الحسبان وقد تمخضت عنه مرحلة استراتيجية جديدة لم تكن متوقعة من قبل وربما هي نسفت ما قبلها من تحاليل وتصورات واستشرافات مستقبلية عن صورة النظام العالمي الجديد!
وبالمثل هناك من يعتبر «منحة» الـ 40 مليون دينار بحريني التي «تفضلت» بها حكومتنا الرشيدة على فقراء الشعب أو بالأحرى غالبيته المعدمة، وبالأخص ممن «توهق» أو «استوهق» بالسياسة ودخل المحفل البرلماني ومارس سلطاته وصلاحياته بذات عقلية ومنهاج «الصناديق الخيرية»، ومن بعض زملائنا الصحافيين الأفاضل جميعهم يعتبرونها ويرونها خرقا وفتحا من أعظم الفتوح في الألفية الجديدة و «فاصلة» استراتيجية محكمة صدت وردعت جميع التنبؤات «المتشائمة» و «الميلانخولية» التي تروجها «عن عمد» أقطاب المعارضة و «أذرعها» الصحافية و «ولدانها المخلدون»، فأصبح الآن من المناسب أن نتحدث عن حقبة ما قبل الـ «40 مليون دينار بحريني» وحقبة ما بعد الـ «40 مليون دينار بحريني»!
وبالنسبة لي فإنني أرجو من الله أن يقبل صدقة الـ 40 مليون دينار بحريني التي ستصرفها الحكومة لمستحقيها من فقراء المواطنين، وأن يثبت أجر تلك الصدقة في موازين الأعمال الأخروية لحكومتنا الرشيدة، وذلك ما أن يقوم فقراء المواطنين بالتوجه إلى مراكز التسجيل، وحتى يتم «إلجام» أصوات «المعارضة» وإيقاف بعض «الكتبة الصحافيين» عند حدودهم، فإنني أقترح على بعض الأبواق أو بالأحرى «الهبانات» الصحافية أن تلجأ إلى عمل مقابلات وملاحق خاصة عن يوم «الفتح الأكبر» ذاك، وأن تنشر مقابلات ملونة مع الفقراء المستفيدين بحيث يكون نصف المقابلة شاملا لأسئلة عن خططهم ومشروعاتهم المستقبلية التي سينفذونها ما أن يتسلموا الـ «50 دينارا» الموعودة، أما النصف الثاني فيكون مخصصا لتوجيه أسمى آيات الشكر والثناء والامتنان!
ولا بأس حينها من أن يتم تبليغ جميع الخطباء والأئمة أن يبذلوا قصارى جهدهم في الدعاء بتثبيت أجر الـ «40 مليون» دينار بحريني فقط لا غير في موازين الأعمال ألأخروية وذلك من على منابر الجمعة، فهم عودونا بجزيل طاعتهم وانقيادهم وغرفهم بـ «العرض والطلب» من معين الشرع القويم والطاعة العمياء لأولي الأمر قبل طاعة الله تعالى وطاعة الرسول عليه أفضل الصلوات «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (النساء: 59)!
ولكن ماذا عن إخواننا النواب الأفاضل الذين «غربلتهم» الحكومة أيما «غربال» و «نشفت ريقهم» حين مفاوضات إقرار الـ 40 مليون دينار بحريني وفي سبيل صرفها صرفا أمثل لمدة عام واحد كعلاوة أو صدقة غلاء مشروطة للمواطنين الفقراء؟!
نحن كنا ومازلنا نأمل وننتظر ونستوجب من إخواننا النواب ألا ينشغلوا كثيرا ويحصروا جهودهم القيمة في مجال «قندة» الـ 40 مليون دينار بحريني لكنما يتوقف عليها مجمل الاقتصاد الوطني، فعليهم أن ينصرفوا ناحية محاليل ومخاليط الإيراد والعوائد والفوائض الاقتصادية المتحققة، فالصدقة قد جاءت ولكن بقي مع ذلك «المقسوم» الذي يجب تلبيته وتصفيته وتوزيعه بالتساوي على جميع المواطنين لمواجهة الغلاء الفاحش الذي شمل وعمّ الجميع كما لو أنه عذاب رباني، وحكومتنا عملت بمبدأ «الخير يخصّ والشر يعمّ» وإن كان هذا الخير متواضعا فيما يكاد أن يبلل ريقا!
ومن ينظر بعين متبصرة ومقارنة لاستجابات الدول الخليجية المجاورة بما فيها سلطنة عمان الشقيقة لتحديات التضخم لربما شعر بالإحراج أمام تواضع حجم الجهد الحكومي المبذول، ورغب في السقوط والتساقط أمام استجابة الحكومة الرشيدة في البحرين التي بدت وكأنما هي دولة تدار بالصدقات والمكرمات والصناديق الخيرية، والصندوق الخيري الوطني الوحيد هو صندوق الحكومة، ومن كدح وجهد نفسه بعصامية وتدرج وظيفيا فعليه أن ينزع عنه لحاف مواطنته ويجابه الحياة والتحديات الشاملة لوحده ويكف نفسه عن تعطف الدولة وصدقاتها ومكرماتها، فمتى سيفجر النواب الأسئلة المصيرية تلك؟!
ومتى ستستجيب السلطة التنفيذية لأسئلتهم تلك وتقدرها جيدا؟!
وبغض النظر عن انتظار طرح تلك الأسئلة المواطنية المصيرية من قبل النواب على السلطة التنفيذية، فإننا نود أن نخاطب كل نائب بما يروق له من حديث وما وضع في رأسه من مشروعات حين دخوله البرلمان، فإننا نذكر النائب إبراهيم بوصندل الذي سبق وأن طرح في إحدى الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية مشروعه البرلماني لفرض وتطبيق الزكاة على الجميع من الأعلى إلى الأسفل في السلم الطبقي والاجتماعي، فما هو مدى التقدم الحاصل في مشروعك يا عزيزي بوصندل؟! وهل ترى أنه قابل للتنفيذ؟! وما هي خططك واستراتيجياتك اللاحقة في حال فشلت أنت ورفاقك في تنفيذ هذا المشروع (لا قدر الله)؟! هل ستشنون حربا ضروسا كما فعل سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) حينما شنّ حروب الردة؟! أم إن الظروف تغيرت، وذلك ليس بمقدوركم وعليكم فقط أن تكسبوا تحدينا المطروح مسبقا وتستقيلوا؟! وعليكم قبلها أن تفهموا السلطة التنفيذية علنا بأنها كلما أقرضت قرضا حسنا من خبز ومائدة الاقتصاد كلما قللت من أوجاع «التسييس» وألقمت خصومها حجرا!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1991 - الأحد 17 فبراير 2008م الموافق 09 صفر 1429هـ