انتبه الاسرائيليون ام لم ينتبهوا. فعلوها بمحاسبة دقيقة للتداعيات في اطار حرب مخابراتية ظنوا انها ستبقى محدودة ومحصورة باعادة الهيبة للردع الاسرائيلي بفعل عاصفة فينوغراد، او فعلوها تحت ضغط زلزال اخفاقات حرب «تموز» التي لا تزال تداعياتها تلاحقهم. صمموا على صناعة الحدث بقرار منفرد ثم طلبوا التعاون مع الحلفاء لتسهيل التنفيذ، ام صنعوه تلبية لرغبة أميركية جامحة، تماما كما كانت حرب تموز بنظر الكثير من المحللين، وذلك ارضاء للاجهزة الغربية وفي طليعتها الأميركية التي لديها اكثر من ثأر مع المغدور به. فقد ارتكب الاسرائيليون من دون شك او ترديد باغتيالهم الركن القيادي العسكري والأمني في حزب الله الحاج عماد مغنية خطأ بل خطيئة استراتيجية قاتلة ليس فقط بحق مخابراتهم وأمنهم القومي بل وبحق كيانهم ووجودهم كدولة!
لقد نسى الاسرائيليون ربما للحظة وفي ظل غياب ملوكهم والقيادات الايديولوجية المؤسسة للكيان، بان من يقاتلوهم على الجانب الآخر ليس فقط طلاب انتصارات مادية بل هم طلاب شهادة ايضا تتمناها كل قياداتهم بكل شوق وتوق يعرف عشاقها كيف يعتصمون بها بمثابة انتصارات معنوية لا تقل اهمية عن الانتصارات المادية كلما تراخت قبضات البعض على السيف او البندقية كما يعرفون كيف يوظفونها من أجل إعادة استنهاض الآلاف وعشرات الآلوف بل الملايين من عشاق الشهادة والانتصارات!
باغتيالهم الحاج عماد مغنية اهدى القادة الاسرائيليون قيادة حزب الله هذه الورقة الذهبية التي لو دفعوا المليارات من الدولارات ليحصلوا عليها ما كانوا قادرين على الحصول عليها بهذه السهولة!
لقد ارجع الاسرائيليون بهذه الخطوة «غير الموزونة» والخارجة على التوافقات الضمنية التي كانت تتحكم بين الاسرائيلي وخصمه اللدود على الجانب اللبناني حسب توافقات وضمانات دولية غير معلنة ارجعت حالة الحرب بينهم وبين الحزب عمليا الى المربع الأول المربع الذي بدأت به المقاومة الإسلامية خطواتها الأولى في بيانها الشهير الذي قرأه احد قياداتها في بداية الثمانينات من ضاحية بيروت الجنوبية وهو يشحذ النفوس والافئدة والهمم من أجل تحرير القدس وتحرير فلسطين كل فلسطين!
هكذا قرأ البعض من أهل الخبرة خطاب الأمين العام السيد حسن نصر الله بمناسبة تشييع جثمان الراحل الكبير الحاج عماد مغنية في الضاحية الجنوبية قبل ايام!
وهكذا تكون الهمم للمقاتل الخصم من حزب الله قد رجعت الى ما كانت عليه في بداية الثمانينات ولكن هذه المرة متسلحة بعشرات الآلاف من المقاتلين كما قال قائدهم نصر الله، بالإضافة الى ترسانة هائلة من الصواريخ فضلا عن ما اكتسبوه من خبرات ميدانية كبيرة، مقابل تراجع اسرائيلي فاضح واخفاقات كبرى وقاتلة بطرف عدوهم هي ليست من نسيج دعاية الخصم بل من تقريرات قاض من عندهم عينته القيادة السياسية والعسكرية الاسرائيلية التي قادت الحرب مجتمعة!
ان حزب الله الخصم الذي كان بدأ يظهر لتوه وكأنه تراجع الى داخل المربع اللبناني الضيق ولم تبق اهداف «عالية» يناضل من أجلها سوى ارجاع بعض الكيلومترات من الأراضي المحتلة المتنازع عليها ومن حولها, لبنانيا ودوليا واستعادة الاسرى المتبقين رهينة بين يدي المحتلين والذين كان يفاوض عليهم في إطار صفقة تبادل مع الجنديين الاسيرين لديه وهما القضيتان اللتان كان يمكن حسمهما في أول فرصة سانحة من فرص التساكن الدولي والاقليمي دو عناء التورط بحروب جديدة فتحت حادثة اغتيال الحاج عماد مغنية احتمالات واسعة بشأنها!
ان اختيار التوقيت والمكان ونوع العملية والشخص المستهدف ايا كانت مبرراته الاسرائيلية الداخلية او الخارجية المشار إليها اعلاه منح حزب الله واعطاه فرصة ذهبية ليس فقط للعودة للمربع الأول كما اسلفنا بل وللخروج من الشرنقة اللبنانية الداخلية التي كان قد حشر فيها رغما عن ارادته اولا ومن ثم اعطته كل المبررات الاخلاقية والعرفية لفتح النار ضد عدوه الاستراتيجي بشكل حرب مفتوحة على كل المستويات اختارها العدو بنفسه ثانيا! وهو ما أعلنه الأمين العام لحزب الله بكل صراحة ووضوح. هذا بالإضافة الى اضفاء كل المبررات وتقديم كل الفرص لما بات يعرف بالمحور السوري اللبناني ثالثا للعودة بقوة الى ساحة الفعل اللبنانية بعد كل الجهود الدولية والاسرائيلية التي بذلت من أجل اخراجهما او عزلهما كحد ادنى عن القدرة على الفعل داخل المعادلة اللبنانية الجديدة التي يعدون لها منذ اغتيال رفيق الحريري باعتبارهما عنصرين متهمين في التحريض على الاغتيالات ومشجعين على الفوضى والارهاب واثارة الحروب والنزاعات مقابل الاسرائيلي الباحث عن فرص للسلام والتسوية كخيار استراتيجي مع الدول العربية!
بعد اغتيال الحاج عماد مغنية على الأرض السورية هاهو الإيراني يدخل بيروت ممثلا بأعلى المستويات معزيا ومواسيا اسرة الضحية ومستنكرا للارهاب والقتل والجريمة ولن يطول الانتظار حتى يعود السوري مسلحا بحقه للرد على الانتهاك الصارخ للسيادة والذي ظهر وكأنه مغطى بشكل او بآخر من قبل الفريق اللبناني المعادي لسورية ومن ورائه المحور الأميركي الفرنسي الذي سعى ولا يزال بكل قوة ليظهر السوري متهما اوحدا بكل الاغتيالات اللبنانية، فيما تظهر حادثة اغتيال الحاج عماد مغنية مرة اخرى بان صاحب اللقب الحقيقي لمقولة الارهاب والاغتيال والذي تليق به دون غيره صفة القاتل المقنع وصانع الفتن المتنقلة هو الكيان الاسرائيلي!
بعد كل ما تقدم يطرح السؤال التالي نفسه: من سيكون المنتصر الحقيقي والواقعي من هذه الحرب المفتوحة الجديدة التي ارادتها «اسرائيل» واعية او رغما عنها من خلال خطوة اغتيال الركن القيادي الكبير في المقاومة الاسلامية على الأرض السورية؟!
انها قيادة حزب الله اللبناني والمقاومة الاسلامية اللبنانية وسماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بكل تأكيد!
ان كل من يعرف العقيدة التي يرتكز عليها و ينتمي إليها قادة حزب الله والمقاومة الاسلامية في جهادهم وكفاحهم ضد العدو الاسرائيلي يعرف تماما ان الضربة التي لا تقضي على الخصم من هذا النوع بل توجعه فقط وتؤلمه الى حين هي ضربة ستقويه في النهاية وتعزز مواقعه في المعارك اللاحقة!
والضربة التي وجهت الى الحاج عماد مغنية بعد ان اكمل مهماته القتالية والأمنية والتنظيمية كما وضح الأمين العام لحزب الله وهو ما يعرفه الراسخون في العلم والتحليل لهذه الظاهرة هي من النوع الذي ليس فقط ستقوي الحزب والمقاومة بل من شأنها ان تشعل فتيل المقاومة وتزيد من وهجها وكأن الأمور بدأت من جديد والمعركة عادت الى مربعها الأول كما اسلفنا!
ومن يشكك في هذه القراءة لن يتأخر كثيرا من الوقت قبل اكتشاف هذه الحقيقة، والايام والاسابيع المقبلة ستكون حبلى بحرب المفاجآت المفتوحة على كل المستويات، وسيكون الثمن المدفوع من قبل القيادة الاسرائيلية اومن دفع بها ومن شجعها ومن تضامن معها او شاركها هذا القرار مكلفا جدا جدا كما يقول الراسخون في علم المقاومة، ولن يطول الانتظار.
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1990 - السبت 16 فبراير 2008م الموافق 08 صفر 1429هـ