اختتم مساء السبت الماضي، مهرجان أوال المسرحي الرابع، ولم تتح لي ظروف العمل متابعته إلاّ في العرض الأخير: مسرحية «المبجل».
المسرحية قدمها مسرح الريف، الوحيد الذي شارك «أوال» في مهرجانه، فيما نأمل أن نرى المسارح الأربعة الأخرى المهرجان الخامس المقبل.
«المبجل» مسرحيةٌ رمزية، وفي تقديري هي اجتهادٌ من «مسرح الريف» للخروج على الصورة النمطية التي اعتاد الجمهور أن يراه بها، من ملابس ولهجة قروية وأداء مباشر.
الرمزية فتحت المجال لعدة تفسيرات وقراءات، وهي باختصار تتكلّم عن القوى المسيطرة وسطوة الكبار والمال. والمبجَّل الذي لا نراه، نرى ممثلَيْهِ اللذين يعملان على تطويع الجمهور لسلطته باسم الدين، وملابسهما تشبه العلَمَين الأميركي والبريطاني، فيما يتوسط خشبة المسرح صليبٌ كبير، اعترض عليه بعض الحضور كونه يمثّل حضارة أخرى غير إسلامية، وغاب عنهم كثرة خشبات الصلب في تاريخنا الإسلامي الذي لم يكن مبرءا من البطش وسفك الدماء.
بعد العرض، حرص عددٌ كبيرٌ من الجمهور على متابعة الندوة، واستهلها أحدهم بجولةٍ من الصراخ، خالطا الحابل بالنابل، إذ زجّ بأسماء بعض المسئولين على أنهم المقصودون! والأغرب أنه اتهم المؤلّف والمخرج بأنهما مريضان بالطائفية، وينقلان رؤية «حركة حق» وحسن مشيمع إلى المسرح!
التعليق أثار زوبعة من صيحات السخرية والاستهجان، مع أن الجمهور مختلطٌ ومتنوّع المشارب، وليس قادما من المنامة أو المحافظة الشمالية، فالرجل متخصّصٌ في النيل من جمعيات المعارضة، ويحاول أن يمدّ وصايته على الثقافة والمسرح. وعقدته أنه لا يرى الأمور إلاّ من منظار الصراع الطائفي البغيض، فهو من حزب «قطط المطابخ»، أصحاب شعار «لدينا الكثير مما نخسره»!
أول التعليقات الهادئة كانت من محمد السلمان (مدير تحرير نشرة «إضاءة مسرحية» التي يصدرها طاقمٌ جادٌ يوميا على هامش المهرجان)، إذ تساءل: «لماذا ننقل دائما مشكلات الشارع إلى الخشبة؟ هل لأن الشارع ضاغطٌ علينا إلى هذه الدرجة»؟ الفنّان عبدالله سويد، انتقد ضعف العرض واعتبره كبوة للمخرج. أما الفنان عبدالله ملك فعلّق: «لم أشعر بأن في النص أية طائفية، ونحن علَمُنا الوطني أبيض وأحمر، بينما الملابس حمراء وزرقاء، ألا تدلان على أميركا وبريطانيا وما تفعلانه في العالم... أو حتى الصين؟».
بعد سماع مختلف التعليقات، كان الجمهور يحبس أنفاسه ليسمع رأي المخرج «المتهم» محمد الحجيري (41 عاما)، الذي تحدّث بهدوءٍ يحسد عليه: «كنت أتكلّم عن دور العامل النفسي في تبجيل الشخصيات الكبيرة ونفوذها، ولم تخطر على بالي شخصيةٌ محددةٌ، ولو كنت أريد أن استخدم مسرحيات شكسبير للإسقاط على أية شخصية، لكان ذلك سهلا».
ثم توجّه الحجيري بكلامه إلى الوصّي المتطفّل على المسرح، من دون أن يلتفت ناحيته وقال: «ما دخل حركة (حق) بالمسرحية؟ فأنا أعمل في قوة دفاع البحرين، وأفخر بأن أدافع عن تراب الوطن، وأنا أعمل جنديا تحت قيادة القائد الأعلى ملك البلاد، ولا أريد لشخصٍ حاقدٍ مثلك أن يأتي ليعلّمني دروس الوطنية والولاء».
وانتقد الدروشة الثقافية التي تنم عن ضحالةٍ فكرية، قائلا: «إذا لم تفهم المسرحية فذلك شأنك، ولو جئت بابني عبدالله (7 سنوات) لأفهمك معناها». وأضاف «أنا عشت نصف عمري في المحرّق الحبيبة واكتسبت لهجتها، وأكثر أصدقائي وأحبائي من الطائفة الأخرى، فكيف يتهمني طائفيٌ مثلك بهذه التهمة الحقيرة».
شكرا لمسرح أوال، وشكرا لمسرح الريف على محاولته، وشكرا للمخرج الذي قدم مسرحيتين في ليلة واحدة!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1990 - السبت 16 فبراير 2008م الموافق 08 صفر 1429هـ