أظهرت بيانات الميزان التجاري الأميركية عجزا هائلا للسنة الخامسة على التوالي، قدّر بنحو 763 مليار دولار في العام 2006، وتركز رجحان الكفة لمصلحة الواردات في العلاقات التجارية مع الصين، والتي بلغت معدلات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات التبادلية بين دول العالم.
وتأتي هذا النتائج لتكتسب طابعا سياسيا، في ظل إصرار إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش على المحافظة على سياسة التجارة الحرة، مقابل إصرار الأكثرية الديمقراطية الجديدة على الكونغرس على تعديل هذه السياسة.
وقد كشف تقرير وزارة التجارة الأميركية الذي صدر مؤخرا، أن خسائر الميزان التجاري زادت بمعدل 6,5 في المئة في العام 2006، لترتفع قيمتها الإجمالية إلى نحو 763 مليار دولار، مقارنة بحوالي 716 مليار في العام 2005 الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة استوردت بضائع وخدمات بقيمة 2,20 تريليون دولار.
وبلغ العجز في التبادل مع الصين وحدها حد 232 مليار دولار، بزيادة 15,4 في المئة عن العام 2005، وهي أكبر نسبة عجز تسجل في التعامل التجاري بين بلدين في التاريخ.
وشكل ارتفاع الفاتورة النفطية الأميركية العام الماضي، سببا أساسيا لحالة العجز غير المسبوقة هذه، إذ بلغت كلفة استيراد النفط إلى البلاد 302 مليار دولار، وخصوصا بعد القفزة الكبيرة في الأسعار صيف العام 2006.
وتوقعت الوزارة أن تكون الهوة العام 2007 أكبر وأشد وطأة، وخصوصا أن شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، سجّل أعلى نسب العجز، مع وصول الرقم إلى أكثر من 61 مليار دولار. أما الصادرات فقد سجلت نموا معدله 12,8 في المئة إذ ارتفعت قيمة الصادرات الأميركية إلى 1,44 تريليون دولار.
غير أن هذه النتائج لم تكن كافية لدق إدارة بوش ناقوس الخطر، إذ وصفت بعض أوساط البيت الأبيض هذه النتائج بأنها «نتيجة جانبية للنمو الاقتصادي الأميركي،» محذرة من التسرع في فرض قيود على التجار الدولية البينية.
وبدلا من إخراج الإقتصاد الأميركي، ومعه الدولار، من غرفة الإنعاش التي أدخل غليها منذ ما يزيد على العام بإجراء المزيد من الإصلاحات الداخلية، هربت (واشنطن) إلى الخارج، ودعت الصين إلى تحرير عملتها اليوان ومنحها قدرا أكبر من المرونة. جرى ذلك منذ منتصف العام 2006 ، فى الوقت الذي كانت تجتمع فيه القوى الاقتصادية الكبرى في (هانوي) لإجراء محادثات بشأن الاختلالات العالمية وبعض القضايا الاقتصادية الملحة.
وحينها صرح نائب وزير الخزانة الأميركي روبرت كيميت للصحافيين، قبيل محادثات مجموعة العشرين، أن الصين التي سمحت لليوان بالارتفاع بنسبة محدودة منذ أن ألغت الحكومة ربط عملتها بالدولار في يوليو/ تموز العام 2005، يتعين عليها التحرك بسرعة أكبر لتحرير عملتها.
ولم تكتف (واشنطن) بذلك، بل هرعت إلى المؤسسات الدولية التي تمتلك نفوذا فيها مثل صندوق النقد العالمي ساعية إلى دفعه لممارسة بعض الضغوط على بكين. هذا ما أكدته تصريحات المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس، عندما ناشد المسئولين الصينيين بتخفيف القيود على سعر صرف العملة الصينية، من أجل المساعدة على مواجهة حال عدم التوازن والتحديات الاقتصادية التي تعصف بالساحة الدولية.
والمح ستراوس بعد إجتماعه مع رئيس الوزراء الصيني ون جياباو وحاكم بنك الشعب الصيني (المصرف المركزي الصيني) قائلا»إن تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية قد يكون له انعكاسات سلبية في الصين، وإن كان صندوق النقد الدولي يتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بقرابة 10 في المئة هذا العام.
وأشار إلى أنه حاول التوضيح للسلطات الصينية، أن مسألة تعديل سعر صرف العملة وجعلها أكثر مرونة، يصب في مصلحتهم. وأضاف مؤكدا أن ذلك «سيساعد في مواجهة كل من التحديات الاقتصادية في الصين وحال عدم التوازن العالمية».
يُذكر أن وزراء مالية ومحافظي المصارف المركزية في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى كانوا قد تعهدوا في العام الماضي، بالعمل معا لتأمين استقرار أسواق المال العالمية المضطربة إلا أنهم استبعدوا فرضية الخروج بصيغة موحدة لمواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1990 - السبت 16 فبراير 2008م الموافق 08 صفر 1429هـ