العدد 1989 - الجمعة 15 فبراير 2008م الموافق 07 صفر 1429هـ

الاصطفافات الطائفية مازالت نفسها

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

الاصطفافات الطائفية التي يشهدها المشهد النيابي، بين الفينة والأخرى والذي اعتاد الشارع على مشاهدتها، ازدادت بعد مشاركة المقاطعين من تيار المعارضة، فنلحظها ونراقبها ونتابعها بكل قلق، ونتوجس منها، ونراها بمثابة الطود المنيع أمام أي توجه يرمي إلى تحقيق إنجازات وطنية، يمكن تحقيقه داخل المجلس نفسه نراها طبق الأصل بلا رتوش، وبأم أعيننا، في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا الوطن ربما يزيد ذلك في إحدى وزارات الدولة أو في إحدى إداراتها أو أقسامها فبدءا من المدير وانتهاء بالحارس والمراسل لتكون مغلقة بالكامل للون واحد من الألوان.

قد نجد أحيانا وزارة من الوزارات قد ملئت بالكامل وبقدرة قادر وبلمح البصر بتيار سياسي معين وفق خطة استراتيجية منظمة ومرسومة بحيث يمنع دخول التيارات الأخرى ليكون التيار المسيطر والمتحكم في شئون الوزارة وفق مصالح محددة، طبعا لا يمكن القول أو التعويل بأن ذلك قد يكون مصادفة أو غير مخطط له.

وقد نجد أحيانا أخرى وزارة من الوزارات قد تصارع عليها تياران من التيارات السياسية وعقدا مع بعضهما بعضا صفقات شكلا اصطفافات متينة منيعة لمنع دخول التيارات السياسية الأخرى ذلك أيضا لا يعد أيضا مصادفة، غير أن بعض الوزارات قد أغلقت بالكامل على طائفة من الطوائف أو منع منها البحرينيون أصلا وأصبحت صالحة فقط للأجانب، فالاصطفافات الطائفية لا يكون بالضرورة منشأها فقط قيادات التيارات بل يمتد الأمر إلى تدخلات حكومية ممنهجة ووفق مخططات استراتيجية، لشل دخول تيارات أخرى إلى بعض المواقع الوظيفية، لا لكونهم يمثلون خطرا معينا على الوزارة أو لكونهم ليس بالمستوى المطلوب أو لا يتمتعون بالكفاءة العلمية المطلوبة، ولكن لأسباب أبعد وأهداف تتعلق بالتهميش والإقصاء والتجاهل والحرمان إلى جانب حصر وحكر المشكلات الاجتماعية فيهم، بحيث يظلوا هم من يعانون وحدهم بالمشكلات كالبطالة وسوء الأوضاع المعيشية والعنوسة والانحرافات. والقائمة تطول، ربما تمتد إلى بقية الأمراض الاجتماعية الموجودة حاليا، والذي ربما تنشأ مستقبلا مع تفادي الأوضاع الاقتصادية وانعدام الحلول والإصلاحات الحقيقية، حتى ينشغلوا بهمهم وينسوا حينها الشأن العام.

فأين ما تولي وجهك ترى اصطفافات طائفية ملونة بألوان الأطياف، وكأن البلد حصر على طائفة وحرام على طائفة أخرى أن يكون لها تمثيل.

الاصطفافات الطائفية ونتيجة غياب الضمير البشري لدى البعض وتوافر مقدار لا بأس به من الصلاحيات وعدم تفعيل الأدوات الرقابية إلى جانب توفر قدر كبير من الثقة في البعض، ومع وجود أمراض اجتماعية تتولد لديه رغبات حقيقية باستغلال كل الصلاحيات المتاحة إلى جانب تجاوز تلك الصلاحيات، من خلال الموقع الوظيفي الذي يمتاز به، كما من خلال عقد صفقات مربحة لصالح أهداف طائفة، بالمقابل أهداف غير نبيلة لطائفة أخرى يضطره إلى عمل مطاردات ومحاصرات لموظفين، يحملون بين أحشائهم إخلاصا لا يوصف وتفانيا في العمل لا يقدر، وكفاءة علمية مشهودا لها، ولكنهم يحسدون من خلال الأبطال الطائفيين لا لشيء فقط لكونهم لا ينتمون إلى طائفتهم ولا إلى تيارهم السياسي التي يتوارون خلفه، فيحاولون جادين سلب نعمة الآخرين وإبعاد آخرين من خلال تضييق الخناق عليهم، واستغلال الصلاحيات بصورة بشعة، ومع ذلك لا يعترفون بكونهم طائفيين ويخافون من أن يوصفوا بهذا الوصف الشنيع فلديهم جرأة في التصرف وفي الأفعال السيئة وفي المطاردات والملاحقات الطائفية وجبن في المواجهات لأنهم لا يملكون الحجة ولا المنطق، فكل ما يملكونه أحقاد دفينة ومشاعر مرضية مؤججة يعالجون أنفسهم من خلال برامج طائفية.

أصبحنا من جراء ذلك مصابين بفوبيا غريبة، فوبيا الاصطفافات الطائفية التي بدأت تغزونا وتحاصرنا في كل مكان، وبدأت تشل حركة الكثير من الإرادات في الكثير من الوزارات، وبدأت بعض الوزارات تنحرف في أهدافها النبيلة إلى أهداف لا يمكن وضعها ضمن الخطط الاستراتيجية لوزاراتها، لأنها بكل بساطة تحرجها وتنعتها بالتخلف، في زمن نفخر كل الفخر لكوننا متقدمين ونمتلك خططا وبرامج متقدمة سباقة، نسابق الزمن من خلالها، من كل ذلك نجد أننا لسنا بحاجة إلى المشروعات التي تدخل فيها التقنية أو التكنولوجيا الحديثة أو استخدام أحدث النظريات الإدارية، وغيرها من اختراعات أو أمور إدارية إذا لم نكن أصلا نعي بأهمية محاربة الطائفية البغيضة التي تعشعش فينا، ونعيش على أكسجينها، ويموت غيرنا من سمومها.

العمل على القضاء على سرطانها المستشري واجب وطني، ومواجهة الاصطفافات الطائفية ومحاصرتها أصبح واجبا لا يمكن التفريط فيه، بدلا من السماح لها بمحاصرة كل ما هو مهم وجميل للوطن، كل الوطن بلا تحزبات أو اصطفافات طائفية، في الوقت التي نعترف بأننا بأمس الحاجة إلى اصطفافات ولكن لا اصطفافات طائفية وإنما وطنية تجمع شمل كل الطوائف والتيارات وكل الوطنيين المخلصين، لمواجهة كل ما هو غير وطني، وكل ما من شأنه أن يمنع تحقيق الأهداف الوطنية، فالوطن للجميع ومن حق الجميع أن يستفد من جميع الفرص المواتية بصورة متكافئة.

بل الواجب يتحتم علينا أن نعمل وبإصرار كبير على مواجهة الطائفيين الذين يريدون الوطن لهم وحدهم لا يشاركهم فيه أحد سواهم فالأنانية لا تنفع لأنها حالة مرضية، ونحن لا نرغب أن نؤسس أساسا ضعيفا لوطن يبنى بل نريده قويا متينا بمشاركة الجميع بلا إقصاءات أو تهميشات بلا أنانيات بلا اصطفافات طائفية تنغص علينا الأجواء وتحرمنا من الاستفادة من كل الطاقات.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1989 - الجمعة 15 فبراير 2008م الموافق 07 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً