أضفت هجمات مومبي الإرهابية جوا من الدراما على كيف تأخذ الأمور الملحة أولوية أحيانا على الأمور المهمة بالنسبة إلى إدارة الرئيس أوباما المقبلة.
وقد أوقعت الهجمات العلاقات بين باكستان والهند في أوضاع غير متوقعة في الوقت الذي تركّز فيه سلسلة من المراجعات السياسية في واشنطن على تغيير الاستراتيجية بشكل جوهري في أفغانستان.
وتتحسس واشنطن طريقها بحثا عن استراتيجية جديدة في الوقت الذي تنهار فيه أفغانستان بشكل لولبي. من المفيد استذكار قول لويس كارول في «أليس في بلاد العجائب»: «عندما لا تدري إلى أين أنت ذاهب، فإن أي طريق يأخذك إلى هناك».
سيتوجب على إدارة الرئيس أوباما أن تحدد إلى أين هي متجهة وما هو الطريق الذي ستسلكه للخروج من مستنقع أفغانستان.
تدرك واشنطن جيدا أنه لا توجد دولة محورية أكثر من باكستان بالنسبة إلى أهدافها في دحر الإرهاب وتحقيق الاستقرار في أفغانستان. إلا أن هذه العلاقة متماسكة اليوم فقط على مستوى القيادة بينما تنظر المؤسسات الأوسع والأفراد في كل من الشعبين إلى بعضها بعضا بشكوك بل وحتى بعداء. يجب التعامل مع العجز في الثقة، حيث أنه سيقرر نوعية التعاون الذي يمكن لواشنطن وإسلام آباد تجنيده لتجنب الفوضى التي تهدد الآن بالانتشار في المنطقة.
يتوجب على الرئيس المنتخب أوباما أن ينفصل عن ميراث الرئيس بوش بالتعامل مع باكستان على أنها أجير بدلا من حليف له قيمته. لقد دفعت باكستان ثمنا باهظا لكونها حليف أميركا على الخطوط الأمامية، فقد قتل آلاف الناس، بمن فيهم 2000 عسكري في هجمات إرهابية منذ العام 2001. كما تقدر الخسائر المالية بنحو 34 مليار دولار.
لقد كان لثلاثة عقود من النزاع في أفغانستان أثرا كبيرا على باكستان. وقد وسّعت استراتيجية جورج دبليو بوش الخاطئة في أفغانستان، بعامل مضاعف ناتج عن تحويل في التركيز في العراق، من رقعة النزاع ودفعت بالحرب إلى داخل باكستان.
لقد تعهد أوباما بنشر المزيد من القوات في أفغانستان، ولكن في غياب تغيير جوهري في الاستراتيجية، قد يزيد ذلك من الشعور بالاحتلال ويغرق الولايات المتحدة في حرب دون نهاية. قامت موسكو في الماضي بنشر أكثر من 150,000 من قواتها في قمة احتلالها لأفغانستان، وفشلت في تجنب الهزيمة.
يجب أن يبدأ التوجه الأكثر واقعية بإعادة تحديد أهداف الولايات المتحدة، والتمييز بين ما هو حيوي وما يمكن تحقيقه (إفشال ودحر شبكات الإرهاب)، وما هو مرغوب ولكن يفضل تركه للأفغانيين للقيام به (تحويل المجتمع).
افتقرت واشنطن حتى الآن للوضوح في الأهداف وسعت لإزالة الإرهابيين ودحر «طالبان» وتحويل المجتمع وتشجيع الديمقراطية.
وقد دمج ذلك بين الوطنية البشتونية والتطرف الإسلامي وأذكى نيران تمرد متنامٍ.
وقد أدى الاعتماد الزائد على القوة العسكرية إلى المزيد من الضحايا المدنيين وأصبح عاملا قاتلا وراء الدعم لـ «طالبان».
يجب أن تسعى أية استراتيجية جديدة إلى الفصل بين «القاعدة» و «طالبان»، وإشراك «طالبان» في عملية تسوية جديدة وتعليق عرض انسحاب القوى الأجنبية في النهاية مقابل وقف الهجمات ودعم إيجاد جيش أفغاني قادر على البقاء. يجب استبدال الغارات الجوية بتفاهم سياسي وتنمية اقتصادية.
يجب الدعوة لعقد تجمع للّويا جيرغا (الجمعية العمومية للبرلمان) للموافقة على هذه العملية. كما يتوجب على واشنطن كذلك أن تساعد على تنظيم إجماع إقليمي لمساندة هذه العملية التي يجب أن تضم إيران وروسيا.
كما يتوجب على واشنطن إيقاف القصف الصاروخي من طرف واحد داخل أراضي باكستان. لقد هيجت هذه الهجمات الرأي العام وأفشلت جهود أفغانستان نفسها في مكافحة التمرد، وهي تعرّض العلاقات مع إسلام آباد إلى خطر التداعي. بدلا من ذلك يتوجب على الولايات المتحدة تقوية قدرات باكستان الخاصة على محاربة التشدد المسلّح.
ويتوجب على توجه أميركي جديد كذلك أن يدرك بأن استقرار باكستان يعتمد ليس فقط على احتواء التشدد المسلح وإنما كذلك على تقوية الاقتصاد والتعامل مع العلاقات العدائية الطويلة مع الهند.
ويجب ترجمة المعونة الاقتصادية إلى باكستان في مجال التجارة إلى أكثر من تعابير المعونة. يتوجب على إدارة الرئيس أوباما أن تُمكّن باكستان من تحويل تركيزها عن الهند إلى مكافحة التمرد. يتوجب على واشنطن أن تطلق مبادرة دبلوماسية موجهة إلى التوصل إلى توافق بين باكستان والهند.
قد تبدو هذه قائمة مضنية، ولكن الاستمرار بالسياسة الحالية يَعِدُ بإغراق المنطقة في دوامة من الفوضى.
* زميلة بكلية كينيدي بجامعة هارفرد وسفيرة سابقة لباكستان لدى المملكة المتحدة والولايات المتحدة،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2287 - الثلثاء 09 ديسمبر 2008م الموافق 10 ذي الحجة 1429هـ