العدد 1989 - الجمعة 15 فبراير 2008م الموافق 07 صفر 1429هـ

ماذا يحدث في إسبانيا؟

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

إسبانيا واحدة من أعظم قصص النجاح الديمقراطي والاقتصادي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ولكن هنالك الآن بعض الأسباب للخشية فيما يتعلق بمستقبلها. وفيما يلي لماذا: كانت إسبانيا من أوائل الدول القومية، بعد أن أتمت إعادة فتح شبه جزيرة آيبيريا من المسلمين في العام 1492. كانت إسبانيا الإمبراطورية القوة الأوروبية الأولى خلال القرن السادس عشر وعلى امتداد جزء كبير من القرن السابع عشر. وقد شملت الإمبراطورية الإسبانية أميركا الوسطى بكاملها، ومعظم أميركا الجنوبية، والفلبين، وأجزاء من ألمانيا المعاصرة، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، وغيرها.

بعد ذلك، ونتيجة لمحاصرتها من قبل أعدائها وبسبب سوء الحكم الداخلي، دخلت إسبانيا في مرحلة تقهقر طويلة الأمد، انتهت بخسارتها لمعظم ما تبقّى لها من مستعمرات، إبان الحرب الإسبانية - الأميركية في العام 1891.

لقد خاض الإسبان حربا أهلية بشعة ما بين 1936 و1939، بين القوى اليسارية التي نالت تأييد الاتحاد السوفياتي والمكسيك من جهة، والوطنيين بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو بتأييد من الألمان والإيطاليين من جهة أخرى. أصبح الجنرال فرانكو دكتاتورا، وحافظت إسبانيا على حيادها إبان الحرب العالمية الثانية. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ظلت إسبانيا معزولة سياسيا واقتصاديا حتى العام 1955، عندما أصبحت حليفا في الحرب الباردة للولايات المتحدة ولأوروبا الغربية.

وفي عقد الستينات، انتعش الاقتصاد الإسباني، وأخذت إسبانيا تنمو بسرعة، بحيث أصبحت دولة صناعية حديثة. في العام 1975، توفي الجنرال فرانكو، وتولى الحكم الأمير خوان كارلوس، الذي أصبح ملكا ورئيسا للدولة. وقد شرع منذ اللحظة الأولى في تحويل إسبانيا إلى مملكة ديمقراطية، وهو ما تم تحقيقه في العام 1978 بإقرار من الدستور الإسباني الجديد. لقد نجحت إسبانيا في تحقيق تحول سلمي نحو ديمقراطية حديثة فاعلة، كانت فيها الحكومة المركزية تتأرجح قدما وإلى الخلف بين قوى اليسار المعتدلة واليمين، نتيجة تفاهم ضمني بعدم إعادة معارك الاقتتال الماضية.

إسبانيا عضو في الاتحاد الأوروبي، وقد تبنت اليورو كعملة لها منذ مطلع العام 2002. الإسبان الآن أغنياء، على أساس دخل الفرد مقارنة بالمداخيل الأوروبية الأخرى. وقد تحوّل الإسبان على امتداد جيلين من كاثوليك محافظين يؤمون الكنائس إلى شعب من أكثر الشعوب ليبرالية على وجه الأرض في حياتهم الاجتماعية («كاليفورنيا أوروبا»!). الاستطلاعات التي جرت أخيرا أظهرت أن الإسبان هم من أكثر الشعوب سعادة في العالم. مجمل القول إن إسبانيا، على ما يبدو، تملك كل شيء في صالحها، ولكن هنالك مشكلات في الجنة!

فعلى رغم أن مواطنيها هم من أقدم مواطني الدولة القومية، فإن كثيرين منهم يرتبطون بأقاليمهم أكثر من ارتباطهم بالدولة المركزية. توجد في إسبانيا أربع لغات رسمية: القسطالية، والإسبانية، والكتالونية، والجليشية ولغة الباسك، بالإضافة إلى عدد من اللغات غير الرسمية. والعالم الخارجي كان على علم بأعمال الباسك الانفصاليين بسبب نشاطات منظمة إيتا.

إسبانيا، وعلى النقيض من معظم البلدان، قد أصبحت أكثر لا مركزية بشكل متزايد خلال العقود الأخيرة الماضية، بحيث أخذت الحكومة المركزية في الانكماش نسبة إلى حكومات الأقاليم: حكومة مركزية صغيرة، بينما تتولى الحكومات الإقليمية والمحلية تسيير معظم النشاطات الحكومية. ربما يكون هذا الترتيب جميلا، كما هو الحال في سويسرا خلال عدة قرون ماضية، شريطة أن يوجد توافق وطني فيما يتعلق بكيفية المشاركة وتوزيع السلطة. بيد أن هذا التوافق ليس قائما حتى الآن في إسبانيا.

الحكومة الاشتراكية الجديدة، بقيادة خوسيه لوي رودريجز ثاباتيرو، التي جاءت إلى السلطة بشكل غير متوقع بعد الحادث التفجير الإرهابي في مدريد في مارس/ آذار من العام 2004، فتحت بغير ضرورة الجروح القديمة عن طريق اقتراح قانون يحمل اسم «قانون الذاكرة التاريخية»، والذي بموجبه تُعاد كتابة تاريخ حقبة الجنرال فرانكو ويتم شطب الاعتراف بالكثيرين ممن عانوا من الفريقين في الحرب الأهلية. إن الكثير من الإسبان يرون في هذه المبادرة محاولة لإبطال العقد الضمني التاريخي الذي كان قائما والذي ينص على عدم إعادة المعارك القديمة، كما أن من شأنه إشعال المزيد من الاصطفاف السياسي والتوترات.

*خبير اقتصادي في معهد كيتو في واشنطن العاصمة، ومدير مؤسسات اقتصادية عدة بما في ذلك «المركز الأوروبي للنمو الاقتصادي» في النمسا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1989 - الجمعة 15 فبراير 2008م الموافق 07 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً