في العام 1989 عُرِضَت صورة عنوانها «البول والمسيح»، رسمها أندريس سيرانو تمثل صليبا غارقا في كوب مليء ببول الفنان، في المركز الجنوبي الشرقي للفن المعاصر في مدينة وينستون سالم بولاية نورث كارولاينا. حصل المعرض على تمويل من الصندوق الوطني للفنون، الذي ما زال يحاول التعافي من الضغط على تمويله، الناتج عن الاحتجاج العنيف الذي نتج عن الصورة.
شكل الأمر قصة كبيرة لمراسلي الفن، وترددت أصداؤه إلى ما وراء موازنة الصندوق الوطني للفنون، لتصل إلى عملية إعادة تشكيل شاملة للقيم الأميركية، عبر عدسات «المسيحيين المحافظين» والتعديل الأول للدستور (حرية التعبير). مثلها مثل لوحة كريس أوفيلي «العذراء مريم المقدسة» التي جاءت بعد ذلك في العام 1996 (والتي تظهر فيها السيدة مريم العذراء ملطخة بروث فيل) دفعت هذه الأعمال الفنية المراسلين والجماهير على حد سواء للتفكير في حدود الفن والإهانة، ومساءلة المبادئ والمفاهيم الدينية المتبعة عن كثب. العملية مُطهّرة وصحية.
يقول سيناريو، وهو كاثوليكي، في رسالة مفتوحة إلى الصندوق الوطني للفنون: «الصورة والعنوان نفسه محرِّضان ومثيران بشكل غامض، ولكن بالتأكيد ليس بشكل تجديفي... هذا المضمون موازٍ للاستحواذ الكاثوليكي بـ»جسد السيد المسيح ودمه». إنه بالضبط استكشاف وتَجاوُر للرموز التي تستنبط المسيحية منها قوتها.
يمرّن هذا النوع من الممارسة العضلات الفكرية للمنطق والإيمان. وعلى رغم أنه يمكن اعتبار ذلك ظاهرة «حديثة» فإن نقدا كهذا مشترك في الثقافات عبر العصور، بما فيها عصور المسلمين. باستثناء هذه الأيام، على ما يبدو. أول شيء فعلته عندما انفجر ما يدعى «خلاف الرسوم الكرتونية» العام 2006 كان اللجوء إلى الخبراء، كما يتوجّب على أي مراسل جيد أن يفعله. في خضمّ اضطراب الاتهامات والبذاءة والذوق السيء والسلوك الأسوأ، بقي سؤال أساسي معلقا: هل الفن التمثيلي ممنوع في الإسلام؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا؟
قابلت علماء الإسلام وأئمته، وقادتني إجاباتهم إلى نوع الذهب الذي يستخرجه مراسلو الفنون والثقافة - سبق صحافي حول خبر عاجل يجري، لسوء الحظ، ضياعه تحت أقدام أحداث أكثر غضبا وانفجارا. وعلى رغم أن أناسا قتلوا في اضطرابات معارضة الرسوم الكرتونية، وحصد المسلمون مرة أخرى ازدراء الكثيرين الذين رأوهم صغار عقول ومتطرفين وبربريين، إلا أن حقيقة الأمر هي أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يمنع الفن التمثيلي.
نُشر ردّي المباشر في أكبر صحيفة في نيوجيرسي - ذي ستار لدجر - يوم 29 سبتمبر/ أيلول سنة 2006 تحت عنوان: «يعلم المؤمنون أن الفن لا يستطيع أن يهدد إيمانهم».
ما مدى أهمية كتابة أن التقاليد وليس القانون تقضي بتجنب تصوير النبي محمد (ص)؟ من الأهمية بمكان أن «التقاليد» ليست دائما ثقافة بالتأكيد. هناك تصاوير رائعة للنبي (ص)، الكثير منها عبارة عن رسوم من العصور الوسطى من بلاد فارس وأوزبكستان، موجودة في متحف متروبوليتان للفنون في مدينة نيويورك، وفي مجموعة البيبليوتيك الوطنية في باريس وفي جامعة أدنبره.
أنا متأكدة أن الثورات الجماهيرية لن تقع بُعيد كتابة خبر يؤكد على الذوق السيئ والأخلاق السيئة بدلا من كسر القوانين. الأمر الذي يثير اشمئزازي الكبير هو أنه لا توجد ثورات غاضبة كهذه ضد وحشية المسلم ضد المسلم في العراق وباكستان وأفغانستان والشيشان وغيرها. وهناك تحريمات واضحة وصريحة ضد سلوك كهذا في القرآن الكريم وفي مثال الرسوم الكريم.
شكلت الرسومات الكرتونية ذوقا رديئا جدا، ولا جدل في هذا. ولكن الوحشية التي برزت بعد نشرها كانت أسوأ بكثير. إلا أن كلتا القصتين تقعان تحت بند «الثقافة».
كمراسلين في مجال الثقافة والفنون يتوجب علينا أن نسبق الرأي العام، وأن نكتب قصصا متعددة الطبقات بأقل قدر ممكن من الحدة والقسوة، بينما تقدم المضمون. ليس أصعب جزء من المهمة أن نعتقد، وإنما أن نصغي وننصت إلى وجهات نظر قد لا نتفق معها أو نكون ضدها أو نشجبها، أو أن نقبل ما هو مقبول في بعض الثقافات وغير مقبول في غيرها، وأن ننقل الخبر باستقامة وأمانة.
في التقرير الوثائقي الذي قمت بإعداده لمجلة ناشيونال جيوغرافيك تحت عنوان «داخل مكة» على سبيل المثال، قمنا بإظهار الفقر في المدينة المقدسة. كمسلمة، أشعر وما أزال بالعار والخزي لاستمرار وجود هذه الحالة غير المقدسة في المدينة المقدسة. ولكنني رغم ذلك قمت بنقل القصة. كانت عبارة عن الحقائق فقط ولم تكن حكما. وما زال جمهوري يقبلها كما هي.
إلا أنه عندما يجري نقل عادات قبلية مثل ختان المرأة وتشويه أعضائها، أو لبس كسوة سائبة تسمى «البرقع» على أنها «إسلامية»، فإن هذا خطأ لا مبرر له. المراسلون مسئولون عن معرفة أكبر عن مواضيعهم من الجمهور العام، ويمكن لما يفشلون في بحث حقيقته أن يجعل الدم يغلي في العروق.
قد يعتقد البعض أن الكتابة عن الفنون والثقافات أمر بسيط لطيف. يشكل الإبلاغ الصحافي، إذا تم بصورة صحيحة، وصفا قويا للحالة الإنسانية، ماضيها وحاضرها، ويستطيع إرشادنا إلى خيارات أفضل لمستقبلنا. الفنون والثقافات هي بالطبع مقاييس أثرية للحضارة، كما هي الأسلحة الحربية والقمامة التي تخلفها المجتمعات. تحسن الصحف والتقارير التلفزيونية صنعا إذا شجعت أهمية هذا الوسط حتى يتسنى تسريع خطى التفاهم المتبادل في قريتنا العالمية التي ما فتأت تتقلص.
*مراسلة ومخرجة في الفنون والثقافة
حائزة على جائزة ايمي التلفزيونية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1988 - الخميس 14 فبراير 2008م الموافق 06 صفر 1429هـ