العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ

إنها مشكلة الإيرانيين!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مثل هذه الأيام قبل تسعة وعشرين عاما، أسقط الإيرانيون حكومة الشاهنشاه آريامهر (ملك الملوك)، وصوّتوا على إقامة جمهورية إسلامية مستقلة لا شرقية ولا غربية. يومها عيّن الإمام الخميني «حكومة ثورة»، بقيادة مهدي بازركان.

هذه الحكومة لم تعمّر طويلا، فقبل نهاية العام 1979، اصطدمت بالطلبة «السائرين على نَهْج الإمام» الذين احتلوا السفارة الأميركية، واحتجزوا عشرات الدبلوماسيين الأميركان، وأيّدهم الإمام حينَ وصف حركتهم بـ «الثورة داخل الثورة»، وهكذا أسقط الطلبة حكومة بازركان التي اتهموها بممالأة الأميركان.

عقدة «القيادة» لدى الإيرانيين تكرّرت ثانية بعد انتخاب أبو الحسن بني صدر رئيسا، إذ لحساباتٍ سياسيةٍ خاصةٍ به حاولَ أنْ يتقرّب إلى الإمام الخميني بترشيح ابنه أحمد؛ ليتولى رئاسة الحكومة... وبينما كان ينتظر الجواب، أصدر الخميني فتوى تحرّم على ابنه تولي أيّ منصب في الحكم!

وفي بلدٍ ظلّ يتلاطم بمختلف التيارات السياسية، وجد بني صدر نفسه على رأس أحد التيارات، فكان يكتب في الصحيفة اليومية، وينزل الشارع؛ ليخطب في جماعته المتنافرة مع التيار الثوري العام، وبدأت تظهر في الأفق بوادر الصدام، وانتهى الأمر إلى هرب بني صدر إلى باريس، بعد أن حلق ذقنه وتخفى بزيّ امرأة، يرافقه مسعود رجوي قائد أحد التنظيمات اليسارية المشوّشة الفكر والاستراتيجية.

الأسبوع الماضي، وبينما كان الإيرانيون يحتفلون بذكرى انتصار ثورتهم، نقلت وكالة «رويترز» خبرا يقول إنّ «مجلس صيانة الدستور الإيراني المتشدد، منع المهندس علي إشراقي حفيد زعيم الثورة الإسلامية آية الله الخميني من ترشيح نفسه في الانتخابات البرلمانية التي ستجري الشهر المقبل». أمّا وكالة (أ ف ب) فنقلت عصر أمس (الأربعاء) عن الصحف الإيرانية أنّ السلطات عادت وسمحت لحفيد مؤسس الجمهورية وعدد من الإصلاحيين بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.

إشراقي كان أبوه من مرافقي الإمام الخميني المقرّبينَ، وزوج ابنته، إلاّ أنّ هذه القرابة لم تمنحه حصانة تضعه فوق القانون أو المساءلة أو التدقيق في أحواله وأوراقه، مهما قيل أو كتب من تحفظات على النظام. فمع أنّ أحدا لم يبلغه برفض ترشيحه في البداية، إلاّ أنّ جيرانه أبلغوه أنه تم سؤالهم عن حياته الخاصة، بما فيها السؤال عن التزامه بالصوم والصلاة وممارسة التدخين. الإيرانيون كما يبدو أصبحوا «متشدّدينَ جدا» إلى درجة التعقيد في اختيار رؤسائهم ووزرائهم ونوابهم، ربما أنهم لا يريدون أنْ ينسوا ماضيهم القريب والبعيد، حين كانت تتحكّم فيهم أخت الشاه، وزوجة الشاه، وخدم الشاه.

لا ندري... ربما لهذا السبب يخضعون الأسماء إلى عملية تدقيق وتشديد على يد اللجان الحكومية ومجلس صيانة الدستور. ونحن في العالم العربي نرى ذلك ولا نصدّق أعيننا، بأنّ لجنة حكومية أو مجلسا رقابيا من أيّ نوع، يمكن أن يرفض ترشيح حفيد زعيم الثورة، فلو كان عندنا لفرشنا له السجّاد الأحمر أينما ذهب!

إنّ الإيرانيين قومٌ لا يفقهون السياسة ولا فنون الحكم والدبلوماسية، وهم بحاجةٍ إلى أنْ يتعلّموا منّا كيف نحفظ للناس مقاماتهم! فرؤساء جمهورياتنا تصوّت برلماناتُنا على تنصيبهم مدى الحياة، وشعوبنا تتوسّل إلى الرئيس لتوريث الحكم إلى ابنه. أمّا بعد وفاة الزعيم الضرورة، فيتحوّل عندنا إلى تمثالٍ للحرية، وملهمٍ لمئات الشعراء، ويسفح مثقفونا على قبره سيولا من الدموع وقصائد الرثاء!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً