العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ

منتدى التنمية: جوانب الخلل في الوضع الخليجي (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

اجتهد الأساتذة الأربعة (عبدالعزيز الصقر وعبدالله الصادق ووديع الكابلي ومحمد الرميحي) في تقديم رؤاهم لمستقبل مجلس التعاون خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة. لكن هناك ملاحظات على هذه الرؤى، كما أن هناك بدائل للسيناريوهات المطروحة.

أوّلا: حول المستقبل الأمني

هناك خياران أمام دول مجلس التعاون الخليجي وهما أمّا الاستمرار في الاعتماد على مظلة الحماية الأميركية، أو بناء القوّة الذاتية للمجلس مجتمعا وبناء نظام أمن إقليمي خليجي يقوم على التفاهم مع إيران.

الوضع الحالي لا يطمئن وغير مضمون، فالولايات المتحدة الأميركية لها مصالحها واستراتيجيتها التي لا تتطابق بل تتناقض مع مصالح شعوب المجلس الحقيقية. كما أنّ إدخال حلف الناتو كطرف في امن الخليج أو بناء قاعدة بحرية فرنسية لن يغير من الواقع شيئا حيث إن الولايات المتحدة تهيمن على حلف الناتو، فيما فرنسا حليفه، وسيزيد ذلك من استنزاف المنطقة ماليا.

إنّ تجربة الولايات المتحدة في غزوها واحتلالها العراق تظهر بجلاء أنها بدل أنْ تنقذ العراق وشعبه من الدكتاتورية، فقد حطمت الدولة العراقية وأغرقت العراق في وحل صراعات قومية وطائفية، بحيث أضحى العراق عامل عدم استقرار لجيرانه بمن فيهم دول المجلس.

وبحجة حماية الأمن الخليجي فقد تشنّ الولايات المتحدة حربا ضد إيران ستكون نتائجها أكثر كارثية من غزوها للعراق. وعلى رغم التطمينات الأخيرة من قبل الولايات المتحدة في تعاطيها مع الملف النووي الإيراني، فإنّ حربا قد تنشب في أيّ وقت بسبب التهويل الأميركي. وقد سبق للولايات المتحدة أنْ ادعت هجوم زوارق حربية فيتنامية شمالية في خليج تونكين العام 1966 لتوسع حرب فيتنام لتشمل فيتنام الشمالية ولا ننسى إسقاط البحرية الأميركية لطائرة مدنية إيرانية قبل سنوات وادعائها قبل شهرين بتهديدات من زوارق دورية إيرانية ضد قطعاتها البحرية في مضيق هرمز وهو ما ثبت بطلانه. يمكن للولايات المتحدة أنْ تشن حربا ضد إيران وتدخل فيها «إسرائيل» شريكا وتورّط دول المجلس.

إنّ دول مجلس التعاون لا تملك سيطرة على إمكان شن الولايات المتحدة حربا ضد إيران، وبالتأكيد لا تملك سيطرة على مجريات هذه الحرب وامتدادها إلى دول المجلس في ظل وضع علاقات القوّة والعلاقات القانونية بين الولايات المتحدة ودول المجلس.

يجب الاعتراف أنّ مئات البلايين من برامج التسلّح لدول المجلس لم تخلف قوّة ذاتية حقيقية، وقد اتضح ذلك في أوقات الأزمات ومنها أزمة الكويت. يجب الانطلاق في بناء القوّة الذاتية من الثقة أوّلا في شعوب المنطقة والاعتماد عليها.

هذا لن يتأتى ما دام المواطن يعامل كرعية، وغياب المواطنة المتساوية، واستبعاد طوائف وفئات اجتماعية من القوات المسلّحة والأمن وبناء المنظومة العسكرية الأمنية على اعتبارات الولاء للحكم والقبلية، وليس على اعتبارات الولاء للوطن والكفاءة.

أمّا العنصر الثاني فهو أنّ مجلس التعاون يفتقد إلى القوّة الموحّدة، وقد صفيت فعلا قوّة درع الجزيرة، بل يفتقد إلى الاستراتيجية والبنية التكاملية كما هو حلف الأطلسي مثلا.

كما أنّ الأمن في مفهومه الشامل ليس الأمن العسكري البوليسي فهو أمن الوطن والمواطن، أمن الأرض والشعب، هذا يتطلب تحوّلا جوهريا في بنية الأنظمة وبنية المجتمع الخليجي.

إذا حدث ذلك يستطيع مجلس التعاون الخليجي أنْ ينشئ منظومة عسكرية أمنية، تستند إلى دعم شعبي حقيقي، محلي وخليجي، حينها يمكن التفاوض مع إيران من موقع القوة الذاتية، واستبعاد الدور الأميركي أو الغربي، ويمكن استخدام كافة أوراق القوة الاقتصادية والعسكرية، للتوصل إلى نظام امن إقليمي خليجي، يحقق الأمن المتوازن للجميع، ويمكن في إطاره التوصل إلى حل سملي سواء للجزر العربية الإماراتية الثلاث، أو البرنامج النووي الإيراني. كما يجب أن لا ننسى أن إيران هي جارة مسلمة تربطنا بها روابط التاريخ والدين والمصلحة وهي هنا باقية، لكن الولايات المتحدة وبغض النظر عن حجم مصالحنا معها، فهي لا تنتمي للمنطقة كما أنّ علينا أنْ نتذكر أنّ «إسرائيل» عدونا، ولا تتوانى عن استغلال أي ظرف سانح سواء أكانت حربا أميركية، أم ضغوطا أميركية لتطبيع العلاقة معها، بالضد من مصالحنا الوطنية والقومية.

ثانيا: المحور الاقتصادي

تمر منطقة الخليج بالفورة النفطية الثالثة من ثلاث سنوات، وقد فاقت هذه الفورة سابقتها سواء في الارتفاع في أسعار النفط بحيث لامست المئة دولار، أو كمية النفط المنتج والتي وصلت للقدرة الإنتاجية القصوى لدول المجلس، لكنه من الملاحظ انه يجري تبديد هذه الفرصة كسابقتها، وعدم استغلال الفوائض النفطية في بناء اقتصاد لا يكون رهينة للنفط.

قيل كلام كثير عن شروط ومتطلبات الاستثمار الواعي للفائض النفطية في بناء اقتصاد ذي قاعدة إنتاجية واسعة، وحتى بناء اقتصاد ما بعد النفط.

هناك أمامنا نموذج بديل اختطته النرويج وهي بلد تنتج النفط والغاز وتصدر ما معدل 3 ملايين برميل يوميا من حقول بحر الشمال الذي تشاركها فيه المملكة المتحدة. النرويج تستثمر عوائدها النفطية في صندوق سيادي يقوم باستثمار هذه الأموال محليا وعالميا، ويستخدم جزء بسيط منه لدعم صندوق الضمان الاجتماعي، أمّا أغلبه فهو مخصص للأجيال القادمة، وخصوصا حين ينضب النفط، فستظل عوائد الصندوق مستمرة.

كما أنه من المهم التنويه أنّ النرويج ليست بلدا منتجا للنفط فقط، بل هي بلد مصنّع لمتطلبات الصناعة النفطية من التنقيب والاستخراج والنقل والتكرير والتسويق وغيرها. وتمتلك النرويج اليوم شركات نفطية وصناعية نفطية تعمل بنشاط على امتداد العالم.

الشعب النرويجي مستمر في دفع الضرائب، والحصول على الخدمات والسلع من دون دعم حكومي، وهو شعب يعمل بجد، وفي الوقت ذاته يدعم استثمار عوائد النفط بالطريقة التي ذكرناها ولم يطالب باستخدام فوائض النفط لزيادة الرواتب ودعم السلع.

لماذا ذلك؟ لأنّ الشعب النرويجي مقتنع بصواب هذه السياسة التي تعكس إرادته الديمقراطية، ولأنّه مطمئن أنّ أموال الصندوق السيادي في أيدٍ أمينة.

في النرويج يدفع الكل الضرائب بدءا بالملكة، و يحصل الكل على منافع النفط وليس القلة، ولا أحد له امتيازات قانونية، والنرويج في مقدّمة الدول النفطية النظيفة من الفساد، وفي الحريات العامّة، وفي التنمية المستدامة. إذا أردنا بديلا إيجابيا فأمامنا النرويج.

ثالثا: المحور الاجتماعي والثقافي

لعلّنا لا نحتاج إلى الكثير من الدلائل لنتبين أننا نعيش في مجتمعات هجينة هي أقرب إلى صالات الترانزيت في المطارات، حيث يحتشد الناس من كلّ الجنسيات ولا رابط بينهم سوى مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات.

العمالة الأجنبية تشكّل ما بين 40 في المئة حتى 80 في المئة من السكّان، ولا روابط عيش حقيقي مشترك بين المواطنين وغير المواطنين، واندماج غير المواطنين غير وارد، بل هناك إصرار على أنّ هذه العمالة الآسيوية في معظمها عابرة وليست حرة، في حين أنّ بعض هؤلاء هم من الجيل الثالث المقيم. لكن الأخطر هو أنّ الروابط التي كانت تربط المواطنين مع بعضهم بعضا رابطة الانتماء لوطن والهوية القومية والدينية والقرابة، ضعفت كثيرا ولم يجر إدماج المواطنين في هوية وطنية حقيقية. الأخطر وكما طرحه الرميحي هو المزيد من الانقسامات الطبقية بين مَنْ يملكون بفحشاء ومن لا يملكون بعوز، تضاف إلى الانقسامات القبلية والعشائرية والمذهبية والمناطقية، التي تغذيها الأنظمة. لقد عالج الرميحي تحديات الحداثة والتحديث في البنية الاجتماعية والتعليم والتدريب والنظام السياسي، وبنية المجتمع بإبداع وتفصيل.

وأودّ أن أضيف أننا قد دأبنا على المطالبة بالإصلاح فقط كبديل للثورة والانقلاب العسكري، الذي ساد الذهنية العربية لعقود وأدّى إلى نتائج كارثية. لكن المشكلة تكمن في أنّ الأنظمة الحاكمة غير راغبة في الإصلاح الحقيقي.

لقد طرحت أنظمتنا شعارات الإصلاح استجابة لضغوط الغرب وخصوصا الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ولامتصاص المعارضة واستيعابها.

هذه الوضعية دفعت كثيرا من المتحدّثين إلى اليأس من هذه الأنظمة وتصوير المستقبل بأنه مستقبل مظلم.

من هنا فأني أرى أنه يتوجب عدم الحديث عن الإصلاح فقط بل يتوجّب العمل من أجل التغيير السلمي الذي يستند إلى الشعب لكنه يتطلب عدة اشتراطات.

في مقدّمة هذه الاشتراطات تحول في وعي النخب السياسية والثقافية في مواجهة واقع الأنظمة وواقع مجتمعاتنا كما هي دون تزويق أو تمنيات، والإقرار أننا في أزمة حقيقية وليست مشكلة يمكن حلّها بالطرق الاعتيادية.

الثاني هو أن الحاجة الماسة لتحالف القوة المؤمنة بالتغيير السلمي التحديثي الديمقراطي بغض النظر عن انتماءاتها الفكرية والطبقية والاجتماعية. وهناك حاجة لترابط المؤمنين بالتغيير في دول مجلس التعاون؛ لأن مأزقنا واحد ولأننا ننتمي إلى منظومة واحدة هي مجلس التعاون الخليجي. كما أننا ننتمي إلى وطن عربي واحد ورضينا أم كرهنا، فأنه محيطنا الحيوي، فأمّا أن نخرج من المأزق معا أو نبقى فيه معا. لكن ذلك لا يعني الانتظار فكلّ تحرك إيجابي في أيّ ساحة سيكون له مردود إيجابي على ساحته أوّلا ثم في الساحات المجاورة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً