في جولة ميدانية لمدينة 6 أكتوبر ضمن نشاط لمؤتمر دولي لجراحي طب الأسنان حضرته أخيرا في القاهرة... قدّم لنا القائمون على المؤتمر، صورة عن نوعية الجامعات الخاصة في هذه المدينة الحديثة، ومن ضمنها طبعا الجامعات الخاصة لطب الأسنان، والمبنية على أحدث الطراز المعماري، والمجهّزة بأحدث الأجهزة الطبية، ذات الألوان الجذابة والراقية، وهذه الجامعات هي نوع من الاستثمار لمصريين أو تمثل فروعا لجامعات أجنبية كندية، وألمانية... وغيرها...
كل شيء فيها على مستوى جيّد ويضاهي الجامعات في البلدان المتقدّمة... لكن على رغم من كلّ ذلك الانتصار والفرح بأنه سوف تتخرج قريبا مستويات من الأطباء، على درجة عالية من الكفاءة؛ نظرا لتوافر جميع الإمكانات والوسائل العصرية كافة للتعليم والتدريب وتوافر الكفاءات لهم ولكن يبدو أنّ المسئولين نسوا أو تناسوا حقيقة مهمّة جدا، وأن الفرحة لن تكتمل بتخريج هؤلاء، وسبب ذلك هو أنه من المعروف في الحقل الطبي أننا نعمل من ضمن فريق متكامل بمساعدين وهؤلاء هم اليد اليمنى للأطباء، ولن يكتمل أيّ علاج مهما ارتفعت كفاءة الأطباء... من دون تدريب لذلك الفريق.
فهم غفلوا عن إنشاء أية معاهد لتخريج فني الأسنان أو مساعدي تمريض؛ لأنّ عمل الفني مرتبط بطب الأسنان بدرجة حاجة النبات إلى الماء تماما... فطبيبة الأسنان تقوم بعمل القياسات اللازمة والتحضير لأية تعويضات ناقصة بين الأسنان في الفم سواء في الجسور (Bridges) أو التيجان (Crowns) أو زراعة الأسنان... الخ ثم تبتعثها للمعمل ليقوم الفني بتكملة العمل وتصنيع الأسنان الناقصة... وفي حالة عدم وجود فنيين متدربين وعلى درجة كفاءة عالية... قد يفشل العمل ويُعاني المريض من مشكلات كثيرة، وقد يُراجع العيادة لعدّة مرات لتصحيح الغلط، وقد يتمكّن الطبيب من إصلاحه أو يستسلم بأنّ هذا هو ما يمكنه عمله بالنسبة للغلطة، وقد يفقد المريض بعدها ثقته في الطبيب بسبب عدم فشل الأخير في إعطائه العلاج الأمثل... وبذلك يصبح الطبيب عرضة لسوء عمل فني الأسنان، وقد يخسر سمعته ومرضاه إذا ما استمر الحال على ما هو عليه ويصبح الطبيب ضحية لفني غير متدرّب بالدرجة الكافية على رغم أنه (طبيب) متخرّج من أحسن الجامعات.
والمعروف أنّ الطبيب يصبح عمله محدودا للغاية من دون الفني بحيث لا يتعدّى (الطب العلاجي من خلع أو حشو أو علاج اللثة ولن يتمكّن من عمل أيّ نوع من التركيبات إلاّ بوجود المساعد الفني. ولقد ذكر لي العميد أنه مازالت مصر لا تخرج فنيين ولا توجد لديها معاهد متخصصة ذات مستوى جيّد لذلك، تصوروا ثمانين مليون نسمة وهم مازالوا يستوردون العمالة الفنية من الشرق الأقصى؟ أو يتوارث الأبناء والآباء لتعلم المهنة... هذا هو حالنا في الخليج للأسف فنحن نتبع أخطاءهم نفسها وأيضا من دون وجود معاهد لتخريج الصف الثاني... ونستورد مثلهم الأيدي الفنية ولذلك نرى كيف أنّ الطبيب يُعاني شح الفني على المستويات كافة وفي اعتقادي هو السبب الأساسي لضعف العلاج لدينا عموما فالمساعدون هم دائما اليد اليمنى والعون الأكيد والأوّل للأطباء... أمّا في الغرب وبلاد الشرق فإنّ المعاهد الفنية تنتشر جنبا إلى جنب مع الكليات العلمية... وتكون الداعم الرئيسي للمهنة وبذلك تزدهر المهنة ويزدهر أداء الأطباء العلاجي، وقد دخلت التخصصات المتعددة في هذه المهن وقد يفوق دخلهم دخل الأطباء أنفسهم نظرا إلى قيمتهم وأهميتهم العلمية وندرة تخصصهم أحيانا.
ولو قمنا بزيارة لأي مستشفى حكومي أو خاص أو عيادة لرأينا العدد الرهيب من الفنيين الأجانب في جميع التخصصات الفنية سواء الأشعة، أو المختبر أوالعلاج الطبيعي، أوالإسعاف... الخ وما يزيد عن 80 في المئة من الأجانب وبالكاد نرى البحرينيين، أنها ليست عملية معقدة لبحريننا... كلّ ما يتطلبه الأمر هو إنشاء معهد واحد في البداية لتدريب هذه المهن الطبية والمعروف أنّ كلفها تقل كثيرا عن كلفة الجامعات، وفي غضون سنوات قليلة سنتمكّن من تغطية البحرين بشبابها المتدربين. وأيضا خلق الفرص والوظائف وتخفيض البطالة نسبة وحفظ المال العام من الاستنزاف إلى خارج البلاد... بتشغيل أهل البلد ومن هم الأحق بخيراته ... شرط أن تكون لهم حوافز ورواتب جيّدة وتتناسب مع ما يقدمونه من خدمات مهمّة وضرورية للمجتمع!
هل لنا أنْ نتعرف التفكير بالطريقة الصحيحة... وأنْ نتوقف عن البكاء والنوح وأسباب ارتفاع نسبة البطالة، نحن نرى بوضوح كمية الخطأ العام المرتكب وترك الديار لمن هب ودب ومن دون دراسة أو تخطيط...
نحن بحاجة إلى نظرة تصحيح لأحوالنا وحياتنا... وآن الوقت للنظر عن قرب لمشكلاتنا، وصباح الخير يا حكومة.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1987 - الأربعاء 13 فبراير 2008م الموافق 05 صفر 1429هـ