عقد منتدى التنمية الخليجي دورته التاسعة والعشرين في البحرين يومي 7 و8 فبراير/ شباط 2008 بعنوان «ماذا يجري في الخليج؟ وإلى أين يتجه؟» وهو موضوع يندرج ضمن الدراسات المستقبلية في الخروج عن المألوف كما في الدورات السابقة.
جرى التعاطي مع الموضوع من ثلاثة محاور:
1. المحور الأمني: قدم فيه رئيس مركز الخليج للأبحاث بدبي عبدالعزيز صقر ورقة بعنوان «الوضع الاستراتيجي في الخليج... دراسة استشرافية 2025».
2. المحور الاقتصادي: حيث قدمت فيه ورقتان، الأولى للأمين العام لمركز البحرين للدراسات والبحوث عبدالله الصادق بعنوان «مجلس التعاون الخليجي والمستقبل (من منظور اقتصادي)»، والثانية لأستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وديع أحمد الكابلي بعنوان «مستقبل الاقتصاد الخليجي إلى العام 2025».
3. المحور الاجتماعي والثقافي: قدم فيه رئيس تحرير صحيفة «أوان» الكويتية محمد غانم الرميحي ورقة بعنوان «مجلس التعاون العربي والمستقبل في المنظور الاجتماعي والثقافي».
وقد خصص لكل محور جلسة بحيث يتلو الباحث ملخصا لورقته وتتبع ذلك مناقشة الورقة. كما خصصت جلسة عامة في اليوم التالي لمناقشة الأوراق الأربع مجتمعة واقتراح التوصيات.
لقد سبق للزميلة الكاتبة منى عباس فضل أن تناولت قضايا مهمة طرحت في الأوراق الأربع. وأود أن اطرح قضايا إشكالية أثارتها الأوراق الأربع.
مستقبل الخليج رهينة بيد من؟
في السيناريوهات التي طرحها الباحثون لمجلس التعاون الخليجي، اجتهد الباحثون الأربعة في وضع مختلف السيناريوهات التي تتراوح بين الكارثة والازدهار.
ففي الجانب الأمني تتراوح الاحتمالات بين حرب مدمرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، قد تدخل فيها «إسرائيل» طرفا، وتمتد طبعا للضفة العربية من الخليج، وتدمر الأخضر واليابس.
أما أفضلها تفاؤلا فهو التوصل إلى صفقة أميركية إيرانية تؤدي إلى تفكيك برنامج إيران النووي العسكري، وتفاهم امني إقليمي يشمل مجلس التعاون الخليجي.
وفي المحور الاقتصادي تراوحت الاحتمالات بين ما أسماه الصادق «العاصفة الرملية» جراء حرب محتملة بين الولايات المتحدة وإيران في العام 2009، تؤدي إلى دمار شامل في المنطقة، وبالتالي انهيار اقتصادي، وما طرحه وديع الكابلي إن نفط الخليج سيظل محل طلب عالمي من دون بديل، بل إن إنتاج دول المجلس سيشهد زيادة باضطراد لتلبية الطلب المتزايد على النفط والغاز، وإن لدى دول الخليج احتياطات جيدة، وفي ضوء ذلك ستظل أسعار النفط مرتفعه بحدود ما معدله 75 دولارا للبرميل في السنوات الـ15 المقبلة، وبهذا فلا خوف من المستقبل اقتصاديا.
في المحور الاجتماعي والثقافي قدم الرميحي صورة غير مطمئنة للمستقبل المنظور بحدود 25 عاما، وقد استند الرميحي في تحليله الى عاملين مهمين وهما:
1. تأثيرات العولمة المتسارعة على منطقة الخليج خصوصا والشرق الأوسط عموما بحيث تطول هذه العولمة بتأثيراتها الشاملة والعميقة الاقتصاد والتعليم والثقافة ونظم الحكم والبنية الاجتماعية، والفئات الاجتماعية.
2. التأثيرات المحتملة على المجتمع الخليجي في حال التوصل إلى طاقة بديلة للنفط وانهيار البنية الاقتصادية الحالية القائمة على النفط، والانتقال من حالة الرفاه إلى حالة العوز والفقر.
طرح الرميحي القصور الفاضح في تعاطي الأنظمة الخليجية والمجتمعات الخليجية مع عصر العولمة، وتحديات عصر المعرفة التي تفرض نفسها على الاقتصاد والتعليم والتدريب، ومجتمع القرية البشرية الواحدة التي تتطلب الانفتاح والشفافية والديمقراطية والتبادل الحر لكل شيء. وحذر الرميحي من الدعة الحالية والاطمئنان إلى اقتصاد النفط في ظل تفجر الزيادة السكانية بسبب الهجرة الكاسحة والنمو السكاني المرتفع للمواطنين، وما يترتب على ذلك من زيادة كبيرة لأعداد الشباب بمتطلباتهم في التعليم والعمل، ودخول المرأة سوق العمل، وحاجات المجتمع الكبيرة في العمل والتعليم والإسكان والخدمات الأخرى، على حين تعاني بلداننا أصلا من قصور هذه الخدمات، ونبه إلى تحديات التعليم، إذ القصور الفاضح للتعليم عن مجاراة متطلبات اقتصاد المعرفة الحديث.
الجامع في الأوراق المقدمة باستثناء ورقة الرميحي انها ترهن مستقبل مجلس التعاون ودوله بإرادة الأنظمة الحاكمة والقوى الإقليمية - وخصوصا إيران - والقوى الدولية، وخصوصا الولايات المتحدة.
المؤسف فعلا إن منطقة الخليج تعيش حالة انسداد في المشاركة الشعبية وقسرا على تطور بنية الدولة، واحتكارا للسلطة والثروة، مما يحول دون المشاركة الشعبية، وبالتالي تحمل الشعوب مسئولية صوغ مستقبلها وعلاقات دولها.
لقد تراجعت بسرعة وعود الإصلاح، وأحكمت قبضة الأنظمة على هامش ما تحقق من حريات، وما أقيم من مؤسسات مجتمع مدني، وأفرغت البرلمانات من سلطتها والانتخابات من معناها.
يجرى التصرف بثروة المنطقة الأساسية (النفط والغاز) بتبذير شديد في قطاعات لا تخلق قاعدة اقتصادية منتجة ويجرى التعاطي مع المواطنين بكونهم رعايا قاصرين، ويجرى صرف أنظار المواطنين عن مخاطر هذه السياسة بمكرمات زيادة الرواتب والعلاوات، وللأسف ينسى المواطن ما هو أدهى.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1986 - الثلثاء 12 فبراير 2008م الموافق 04 صفر 1429هـ