أدت الحرب والإرهاب في السنوات التي تلت الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول إلى نقاش واسع بشأن ما إذا كان «صِدام الحضارات» يجري يبن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، إلا أن الاضطراب قد ألهم الكثيرين للعمل بجدية أكثر لتشجيع الحوار والتفاهم بين ثقافاتنا. لدى الأميركيين «العاديين» وشعوب العالم الإسلامي دور حاسم بشكل خاص يلعبونه في هذه العملية من خلال التواصل نحو بعضهم بعضا بصداقة. وعندما نفعل ذلك سنقدّر ليس فقط قيمتنا الفريدة وتنوعنا، وإنما عدد قيمنا العميقة التي نشترك فيها.
شهدت بشكل مباشر من خلال استضافة طلاب ضمن برنامج تبادلي من أفغانستان، والتطوع للعمل في إندونيسيا والدراسة في مصر والعمل على حل النزاع في فلسطين وباكستان، قوة التبادل الشخصي والثقافي. يمكن للتفاهم الإنساني الحقيقي والصداقة الباقية أن تنتج عن نشاطات كهذه. في الباكستان على سبيل المثال، سمح لنا الحوار مع مديري المدارس الدينية ليس فقط أن نقدر الفروقات بيننا بصورة أفضل، وإنما رؤية ما نشترك فيه. من خلال تبادل مشاعرنا حول مدى الأذى الذي تتسبب به الحرب في العراق وسياسة الولايات المتحدة في فلسطين للمسلمين، ومدى الأذى الذي تتسبب به الهجمات الإرهابية مثل الحادي عشر من سبتمبر للأميركيين، أدركْنا رغبتنا المتبادلة لحماية جميع الناس من العنف وتخليص العالم من الحقد والخوف.
ليس هناك من سبب بالتأكيد لصدام بين أميركا والعالم الإسلامي، فالقيم التي تأسست أميركا عليها، كإطاعة الله تعالى والاحترام والمساواة للجميع وحماية حقوق الإنسان وحرياته وخدمة الآخرين والصالح العالم والسلام، هي كذلك قيم أساسية في الإسلام. لقد حدثت المشكلات في العلاقات الأميركية المسلمة ليس بسبب اعتناق الأميركيين والمسلمين قيما متضادة أو مفعمة بالمشكلات، وإنما لأن بعض الأميركيين والمسلمين فشلوا في أن يحققوا قيم كل منهم وأن يعيشوا وفقها.
يخدم الأميركيون الذي يحبون أميركا والمسلمون الذين يحبون الإسلام مجتمعاتنا على أفضل صورة من خلال مساعدة هذه المجتمعات على الالتزام بقيم السلام والحب التي تأسست عليها. وخاطب مركز تفهم الإسلام، وهو منظمة أميركية مسلمة، عن سؤال ما إذا كان هناك نزاع بين الإسلام وأميركا بأسلوب مناسب وملائِم:
«بلدنا هو أميركا وديننا هو الإسلام، ولا ضرورة هناك لأن نختار بينهما. وسبب ذلك هو أن المبادئ التي حكمت المؤسسين الأوائل لأميركا وحفّزتهم تماثل المبادئ التي طورها كبار علماء المسلمين التقليديين قبل قرون كثيرة. فقد رفض جميعهم «اقتصادية» الولاءات الدينية والأخلاقية والطبقية حتى يتسنى توليد حضارات جديدة مبنية على الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان والمسئوليات المتأصلة في كل شخص...».
كأميركية كاثوليكية جالت الدول الإسلامية مسافرة في أجزاء متنوعة من العالم، أرى أن واحدة من أكبر مجالات سوء الفهم وأكثرها مأساوية لاحظتها بين ثقافاتنا هي الاعتقاد بأن الآخر يكرهنا أو يرغب بالتسبب بالأذى لنا. واقع الأمر أن هذا المنظور لا يمثل التيار الرئيسي في الرأي في أي جزء من العالم.
وعلى رغم أن المتشددين والمتطرفين الذين يرتكبون أعمالا عنفية من الحرب أو الإرهاب يستحوذون أحيانا على اهتمام الإعلام فإن غالبية الناس في كل أمة وكل عقيدة يرغبون في العيش بسلام وأمن، ويرغبون بالمثل للغير.
يتشارك معظم الأميركيين والمسلمين بالرغبة في علاقات أفضل مع بعضهم بعضا وببناء عالم أفضل. ضمن هذه الروح، بدأت مشروعا أسميته «مشروع الصداقة الأميركية المسلمة»، أجمع من خلاله رسائل السلام والصداقة من أميركيين نحو شعوب العالم الإسلامي، والعكس. يجري الآن جمع هذه الرسائل وترتيبها في كتاب آمل أن أنجح في توزيعه بشكل واسع.
تضرب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد الأميركيين وعبر العالم كله بعدها، إضافة إلى النزاعات في العراق وأفغانستان و «إسرائيل»/ فلسطين، في قلب الأميركيين والمسلمين كونها تهديدات حقيقية جدا لهويتنا وأسلوب حياتنا ووجودنا ذاته. إلا أنه بدلا من النظر إلى هذه النزاعات على أنها مظاهر «صدام الحضارات» يجب النظر إليها كمشكلات تتطلب حلولا، وكفرص للعمل معا ضد مشكلة مشتركة وليس ضد بعضنا بعضا.
*مساعدة برامجية في المركز العالمي للأديان والدبلوماسية، وطالبة ماجستير بجامعة جورج ميسون، معهد تحليل النزاعات وحلها، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1986 - الثلثاء 12 فبراير 2008م الموافق 04 صفر 1429هـ