العدد 1985 - الإثنين 11 فبراير 2008م الموافق 03 صفر 1429هـ

تبصير في فنجان قهوة الخليج

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تكاد تجمع الآراء - التي طرحها أربعة من الباحثين المختصين في منتدى التنمية لدول الخليج العربية الذي انعقد بالمنامة في 8 فبراير/ شباط الجاري؛ لاستشراف مستقبل الخليج حتى العام 2025 ومن خلال الإجابة عن السؤالين: ماذا يجري في الخليج؟ وإلى أين تتجه المنطقة؟ - على أن اقتصادات الخليج شهدت متغيرات دولية وإقليمية؛ بسبب ارتباطها بالاقتصادات الغربية والأميركية، وأن موجة العولمة التي مرت بها أدت إلى وجود خطر داخلي وخارجي يهددها، مؤشراته تبرز من احتمالات نشوب حرب جديدة وزيادة في حدة الصراع والتفاوت، ولاسيما أن دول المنطقة تعتمد في نموها على عائدات النفط، وكثافتها السكانية ضئيلة، كما أنها تعتمد على العمالة الأجنبية التي تتسبب باختلال التركيبة الديمغرافية.

هذا الواقع جعل الباحثين وهم يستشرفون مستقبل المنطقة استراتيجيا كما المتبصرين. فكان أن استعرض عبدالعزيز صقر من الإمارات أربعة سيناريوهات تراوحت بين السيئ «الأزمة الممتدة» والكارثي وسيناريو هيمنة إيران النووية على الخليج أو الهيمنة الأميركية - الإيرانية المشتركة أو السيناريو الحالم والمأمول والتفاؤلي في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والديمقراطية في الخليج. على المستوى الاقتصادي، طرح عبدالله الصادق من البحرين سيناريو نموذج الاقتصاد الحالي الذي استنفد عناصره مضافا إليه سيناريو الاتحاد الاقتصادي الخليجي والبيئة الإقليمية والدولية المتغيرة ضمن محوري الاستقرار أو عدمه. فأطلق عليها توصيفات غريبة كسيناريو الواحة والخليج الخصيب والعاصفة الرملية. وثمة من قرع جرس الخطر كما فعل محمد الرميحي من الكويت حينما ركز في رؤيته على واقع الخليج بإشارته «إلى أن المستقبل سيتغير بدرجة كبيرة إلى حد أن الأجيال القادمة لن ترى أن الجيل الذي سبقها قد (تصرّف) في الثروة والسلطة تصرفا حصيفا؛ ذلك لأن الفورة الاقتصادية التي شهدها جيلنا - كما قال - معتمدة على مصدر ثروة (ناضب)، وهناك احتمالات لأن تصبح مجتمعات الخليج إما (مدنا مهجورة) خاوية على عروشها، وإما ذات اقتصاد نامٍ ومتطور، فكل ذلك يعتمد على السياسات المتخذة اليوم».

آلية الفساد تبدد الثروات

من جهتنا، يبدو أنه كان من الأسلم للرميحي أن يكون أكثر تحديدا في طرح رؤيته المخيفة والواقعية في مضمونها، ويشير إلى أن «انعدام الحصافة» يكمن وراءها مؤسسة الفساد المالي والإداري المتكاملة والمتماسكة والمتشابكة التعقيد في ممارسة آلياتها التي تنخر في عظام هذه المجتمعات وأضلعها فلا يبقى من ثرواتها ولا أراضيها ما يمكن أن يقتات منه الجيل القادم ويحفظ كرامته، أو يعبّر عنه بتعبير مرادف يقر بوجود «هدر» لا مثيل له في العصور الإنسانية، إذ تضيع ثروات الأمم ومقدرات الشعوب هباء منثورا وخصوصا أن للفساد والهدر معاييرَ دولية تقيسه وتحاسب عليه، ولا أدل على ذلك غير الاتجاهات التي ما برحت تتفنن في تبذير فوائض العائدات النفطية المتحققة وإنفاقها على صفقات الأسلحة والمعدات الحربية، إذ قدر أحد التحليلات في المنتدى أن نسبة ما تم إنفاقه بين عامي 1997 و2006 بلغ 21.537 مليار دولار، أضف إليه ما أعلنه وزير الخارجة الأميركي روبرت غيتس في أغسطس/ آب 2007 بحسب المصدر نفسه أن البنتاغون زوّد السعودية بصفقات سلاح بلغت قيمتها نحو 20 مليار دولار، والإمارات بمبلغ 3.540 مليارات، على حين البحرين دفعت في 2007 ما قيمته 204 ملايين لشراء طائرات عمودية وقطر 322.1 مليونا والكويت 250 مليونا، إضافة إلى النفقات العسكرية الأخرى التي بلغ مجملها لدول مجلس التعاون 298.269 مليارا بين العامين الآنفي الذكر.

وعليه، يتضح للمطلع أن هذا الإنفاق وربما أكثر منه كثيرا أو قليلا قد تسببت به الأوهام الدائرة في الرؤوس عن مستوى «الخطر الإيراني» الذي على ما يبدو فاق التصور عند بعض الاتجاهات والتحليلات مقابل الخطر الإسرائيلي والأميركي على شعوب المنطقة. فحجم الإنفاق للعدد والعتاد كبير ومثير وخصوصا ان تلك العدد والعتاد سيكون مصيرها كالعادة التكدس في المخازن لكي يعلوها الصدأ عوضا عن إنفاق مخصصاتها على نماء المنطقة وتحديثها.

الزيادة السكانية والتجنيس

خلصت غالبية المناقشات المتداولة إلى وجود زيادة في حجم السكان متوقع لها أن تتضاعف إجمالا حتى 2025 بمعدل يصل إلى 164.5 مليون نسمة حتى 2007 و219 مليون نسمة في 2025! ولكن كيف فسر الباحثون المتبصرون هذه الزيادة السكانية؟

بإجماع - كما أفاد الصادق أيضا - خلصوا سببها في زيادة حجم العمالة الوافدة التي تمثل النسبة الأكبر من قوة العمل المحلية في مقابل العمالة الوطنية التي تمثل 36 في المئة فقط، مشددا على أنها وليد الطفرة النفطية الثانية التي بلغت حدودها القصوى. وأي زيادة في معدل نموها فستعرض كيانات المنطقة لمخاطرَ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وربما سياسيةٍ جسيمةٍ.

أما الرميحي فأشار إلى أن «ازدياد حجم السكان فعلا ظاهرة لافتة للنظر، إذ تبلغ بين 8 و10 في المئة في الكويت وقطر والإمارات، وهي نتيجة لزيادة عدد المهاجرين من أجل العمل أو الزيادة الطبيعية للسكان المواليد، إذ تعد الزيادة الطبيعية التي تتراوح بين 3 و4 في المئة من أكبر النسب العالمية؛ مما يستدعي التوسع في الخدمات، وهي - أي الزيادة السكانية - تمثل أحد معوقات التنمية إلى جانب ما تسببه من تفاقم لحجم البطالة وانخفاض مستوى المعيشة والرعاية الصحية».

في السياق نفسه، وعلى رغم الخلاصة الواقعية أعلاه، فإن المتبصرين لم يتطرقوا إلى إشكال التجنيس السياسي في البحرين مثلا. ففي عام واحد ارتفع عدد سكان الجزيرة الهادئة الصغيرة فجأة وبقدرة قادر من 750 ألف نسمة في 2006 ليبلغ بحسب المصادر الرسمية إلى «مليون و46 ألف وأربعمائة وثمانية عشر نسمة» حتى شهر سبتمبر/ أيلول 2007، والتي تخمن أطراف من المعارضة السياسية بأن 62,000 من فرق الزيادة هم من المجنسين، أو كما صرح أمين عام «وعد» إبراهيم شريف بوجود 59 ألف مجنس خلال 6 سنوات و5 أشهر (صحيفة «الوقت» 7 فبراير 2008)، في الوقت الذي توقع وديع الكابلي من السعودية أن يبلغ عدد سكان البحرين 1.06 مليون نسمة في 2025 وليس في 2008.

إذا، الحقائق المزعومة تشير إلى تضارب أدى إلى نواقص في التحليل ولاسيما أن الكابلي يتوقع معدل زيادة سكانية لن يتجاوز 2 في المئة خلال ربع القرن المقبل، وستنخفض بعده النسبة تباعا، على حين رأى الرميحي أنها زيادة آخذة في الارتفاع؛ بسبب ظروف العولمة، وزيادة الهجرة. وأضيف على ما سبق أن زيادة السكان كانت بسبب ارتفاع عدد المجنسين غير المعلن رسميا وبشفافية في البحرين حتى هذه اللحظة. وهذه المفارقة حتما ستؤدي إلى قصور في استشراف المستقبل ورسم التوقعات بشأنه.

الآراء التحليلية في المنتدى كشفت عن وجود زيادة في معدلات نمو الدخل القومي، والتي لا ريب سببها ارتفاع عائدات النفط. بَيْد أن هذه الإشارة لم تتم مقاربتها مع متغير النمو الديمغرافي وتأثيرها. ففي البحرين - على سبيل المثال كما بيّنت إحصاءات البنك الدولي الواردة في إحدى وثائق المنتدى - قد ارتفع دخلها القومي بين 1996 و2006 وبتوالٍ من 4.3 في المئة إلى 5.6 في المئة إلى 5.4 في المئة إلى 6.9 في المئة إلى 7 في المئة، في الوقت الذي قد أغفل المتبصرون - بقصد أو من دونه - مقاربة ارتفاع معدلات الدخل القومي بمستويات النمو الديمغرافي، فضلا عن زيادة دخل الأفراد في مختلف طبقات المجتمع وفئاته.

في حقيقة الأمر، إذا واصلت المنطقة معاناتها من الزيادة السكانية بسبب العمالة الأجنبية والوافدة، كما ستواجه خطر الحروب في دائرة مخاطر العولمة المعلنة وغير المعلنة، وفي ظل آليات تعمل بسبب موجتها على تفكيك الثقافات الوطنية وخلق استقطابات وصراعات، فستفقد المجتمعات الضعيفة هويتها، وشعوبها ستكون في حالة عزلة وانغلاق على ثقافتها، والتعليم في دولها هو الأقل جودة أو كفاءة ومناهجه لم تعد ملائمة لمتطلبات التنمية بسبب التلقين والحفظ، والإنسان في مجتمعاتها مستهلك للنفط وعائداته وغير منتج، كما أن فئة المرأة وفئة الشباب تتراوحان بين الانعزال والاندماج في شئون المجتمع، ناهيك عن أن الديمقراطية تستوجب إعادة النظر في مفهومها؛ بسبب منظومة القيم الموروثة التي لا علاقة لها أصلا بالديمقراطية. ألا يستدعي كل ذلك أن يختم بالشمع الأحمر على مجتمعات المنطقة ويتم نعيها أو نفيها من ذاكرة التاريخ؟

طبعا، تصح الإجابة بـ «نعم»، كما الإجابة بـ «لا» أيضا. «نعم» هي إجابة شافية للبائسين، و «لا» قد يجد القارئ مدلولاتها في تحليل خلدون النقيب في كتابه «آراء في فقه التخلف» (ص 49، 50) حينما أفاد أن «خلافا للاعتقاد الشائع بأن الدولة العربية والإسلامية انهارت وتمزقت أيام البويهيين والسلاجقة وبظهور الحركات الانفصالية في خراسان ومصر والمغرب والأندلس، فإنها لم تنهزم، إنما وجدت لها أساليب مناسبة لا مركزية للتكيف مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المستجدة والعصبيات الناشئة، وبالرغم من التفتت المزعوم للدولة، فإن وحدة المجتمع تمثلت في ثلاث نقاط، الأولى في تجسيد الخلافة والطبقة الحاكمة لعوامل الوحدة والتجانس من خلال هيمنتها على الثقافة المشتركة لأغلبية السكان. الثانية في ترابط مؤسسات المجتمع ترابطا وظيفيا عبر المكان والزمان كما في مؤسسات المحتسب والوقف، الحاكم بأمره، المدرسة والقضاء. الثالثة في فعالية شبكات التواصل الاجتماعي والإنتاج الحضاري والترابط الديني الشعبيين، ومؤسسات التربية الوطنية، فالتمزق كان بالمعنى السياسي وبقي البناء الاجتماعي للمجتمع من القوة والتماسك ليصمد أمام الهجمات التركمانية والمغولية والصليبية، واستوعب الكثير من هذه العناصر وامتصها داخل النسيج الحضاري للمجتمع العربي الإسلامي».

وعليه، إلى المتبصرين والمستشرفين الذين بصّروا في فنجان قهوتنا الخليجي حتى 2025، عليكم بإعادة قراءة جديدة للواقع، أكثر حصافة؛ حتى تكون نتائجها أكثر واقعية وملامسة للعناصر المتغيرة والمتشابكة والمعقدة المحلية الممزوجة بقضايا شعوب المنطقة ومصالحها. فالمنطق يقول: إن إسرائيل هي «الجرثومة النووية» التي تقتل شعبنا في فلسطين وتبيده وتحتل أرضه ولديها أطماعا لا حدود لها، وإنها الخطر المحدق بنا من وريد الخليج إلى أوردة الأمة الإسلامية والعربية قاطبة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1985 - الإثنين 11 فبراير 2008م الموافق 03 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً