قال معهد التمويل الدولي - ومقره واشنطن - إن حجم الأصول الأجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي قد يتجاوز ألفي مليار دولار بنهاية العام 2008. وبوصول الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس الست إلى 900 مليار دولار العام الماضي، يصبح حجم الموجودات الخارجية لها أكثر من ضعفه. وتعود التدفقات الاستثمارية الخليجية الكبيرة إلى زيادة الفوائض النقدية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتغير الاستراتيجية الاستثمارية لدول مجلس التعاون الخليجي.
وتزيد قيمة العائدات النفطية التي جنتها دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الخمس الماضية عن 1500 مليار دولار، مستفيدة بذلك من الارتفاع غير المسبوق لأسعار النفط العالمية، وهو ارتفاع يعود في شقٍ منه إلى ازدياد الطلب العالمي على «الذهب الأسود» وخصوصا من جانب الصين والهند، وفي شقٍ آخر إلى الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة، إذ لعبت العديد من الدول المنتجة للنفط دورا كبيرا في هذا الارتفاع، وهو ما يدفع الكثيرين إلى توقع استمرار هذا الارتفاع في الأسعار لعدة سنوات مقبلة.
وتثير هذه الحصيلة القياسية للعائدات النفطية الكثير من التساؤلات عن كيفية إنفاقها وتوظيفها بشكل يخدم الاقتصادات الخليجية على المدى الطويل، ويقلل من اعتمادها شبه الكامل على هذه العائدات، وهو ما يجعلها رهينة لتقلبات الأسعار في أسواق النفط العالمية، وبالتالي فإن الرهان الحقيقي لدول الخليج يتمثل في التوصل إلى أفضل السبل لاستثمار هذه العائدات بطريقة تمنح اقتصاداتها قدرة أكبر على التخلص من التبعية شبه التامة على عائدات النفط والصناعات المرتبطة.
الأمر الذي يلفت النظر أيضا هو إصرار الإستثمارات الخليجية على الإستثمار أساسا في الأسواق أو المشروعات الغربية، فقد تم ضخ أكثر من نصف تلك الاستثمارات في الاقتصاد الأميركي عن طريق عمليات استحواذ واستثمار في الولايات المتحدة الأميركية والأصول المقوّمة بالدولار، في حين ذهب نحو خمس تلك التدفقات إلى الاقتصادات الأوروبية أو الأصول المقوّمة باليورو. في الوقت ذاته لم يتجاوز نصيب الاستثمارات الخليجية في العالم العربي من حجم التدفقات خلال الخمس سنوات عن عشرة في المئة، وذهبت البقية إلى دول أخرى أكثرها في آسيا.
حصة الأسد من تلك الإستثمارات استحوذت عليها الأسواق الغربية وخصوصا الأميركية منها، ولايتوقع لها التراجع في المستقبل المنظور، بل على العكس تماما، إذ يتوقع كثير من المراقبين زيادة ضخ الاستثمارات الخليجية في الاقتصادات الغربية العام الجاري ربما بوتيرة أعلى من العام الماضي.
ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو إستمرار، بل ربما تصاعد، ذلك الإتجاه الذي يسود النزعات اليمينية الغربية التي تناصب العداء كل قادم من العالمين العربي. لقد تعالت صيحات بعض مراكز القوى الغربية مطالبة بالحد من توسع الاستثمارات الخليجية في الاقتصادات الأميركية والأوروبية، مخالفة بذلك قواعد منظمة التجارة العالمية التي تؤكد إزالة الحواجز والعراقيل كافة أمام انتقال رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء. وفي محاولة للالتفاف على قواعد العولمة وحرية اقتصاد السوق التي طالما نادت بها الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى ادّعت جماعات الضغط الغربي أن هناك أهدافا سياسية وراء توسع الاستثمارات الخليجية، زاعمة أنها تمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي ودول الاتحاد الأوروبي، وقد تناسى أصحاب هذه الادعاءات أنه لولا الاستثمارات الخليجية لوقعت تأثيرات سلبية عديدة في النظام المالي العالمي، بسبب فساد إدارات الجهاز المصرفي التي تسببت في أزمة الرهن العقاري التي ظل العالم يعاني آثارها إلى الآن.
لكن بعيدا عن هذه الإتجاهات المعادية للأموال العربية، هناك الخوف الأساسي على المديين المتوسط والطويل، إذ تقول معظم التوقعات لجهات عدة وخبراء ومنهم منظمة (أوبك) إنه إذا ما استمر النمو السريع في الطلب العالمي على النفط في المرحلة المقبلة، وخصوصا في ضوء الطلب الكبير الكامن في الصين والهند، فسيكون هناك نقص في الإنتاج العالمي من النفط الخام في المستقبل على رغم تنفيذ جميع مشروعات التطوير ورفع طاقة الإنتاج المخططة في الدول النفطية. وهذه الدول تواجه الآن معضلة أساسية وشاقة من حيث أنها أضحت مضطرة لتحويل احتياطياتها النفطية بأقصى سرعة إلى موارد نقدية لا تستطيع اقتصاداتها استيعابها بالوتيرة الكامنة فتضطر بالتالي إلى تحويلها إلى استثمارات في الخارج، وهي استثمارات لا تخلو من المخاطر ولا يمكن الركون لمستقبلها بثقة كاملة في نهاية الأمر.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1985 - الإثنين 11 فبراير 2008م الموافق 03 صفر 1429هـ