خلال الـ 1300 سنة الماضية، وجد جزء كبير من العالم الإسلامي والعالم المسيحي الغربي أنفسهم ككتل متواجهة بعضها بعضا بشكل متعارض (سأستخدم كلمة الغرب لوصف الأمة المسيحية تقليديا في دول أوروبا الغربية وأميركا الشمالية). لقد كانت علاقتها متوترة في أحسن الأحوال، وفي أسوأ حالة كانت هناك حروب سافرة. ولبعض من هذه الفترة كان العالم الإسلامي، عندما تمددت الإمبراطورية العربية، ومن خلفها لاحقا، ولاسيما الإمبراطورية التركية، هو المهيمن. وقد دخل نفوذ الإسلام في أجزاء من جنوب ووسط وشرق أوروبا، في المناطق المعروفة تقليديا بالمسيحية. كما لا ينبغي أن ننسى أن واحدة من أهم الحضارات الأوروبية المجيدة كانت تلك التي أنشأها العرب في الأندلس. وفي العصور الوسطي فإن الغرب، ممثلا ببعض الممالك المسيحية، وأوروبا الغربية، اجتاح بلاد الشام وأرسى لنفسه ممالك. وخلال القرنين الماضيين أصبح الغرب هو الأقوى ، قياسا بالموازين السياسية والعسكرية والاقتصادية. وبين مطلع القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين هيمنت البلدان الغربية وتحكمت في أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي.
على رغم التحول في خطوط الحدود والنفوذ بين الغرب والإسلام، فان جزءا كبيرا من تاريخ معظم شعوب العالمين تمثل في العيش في عزلة وجهل بعضهم بعضا. صحيح أن الجنود، ورجال الدولة، والتجار، ومن المؤسف المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في طريق الحرب، كانوا على علم بـ «الجانب الآخر»، ولكن معظم الناس وحكامهم قليل ما كانوا يعرفون أي شيء عن جيرانهم في المنطقة. وهذا يعكس حقيقة أنه حتى وقت قريب نسبيا لم تكن الحضارتان تشعران بالحاجة الى أن تعرف أحداهما عن الأخرى شيئا.
ولكن هذا بدأ يتغير في مطلع القرن التاسع عشر، كما بريطانيا وفرنسا عندما أصبحتا قوى عالمية ذات مصلحة استراتيجية تقريبا في كل جزء من أجزاء العالم. وبالنسبة إلى بريطانيا، أصبح الشرق الأوسط ذا أهمية حاسمة لأن يقع بين المملكة المتحدة والإمبراطورية الهندية. وكان هناك كادر من المسئولين الإداريين والجنود الذين أمضوا جزءا كبيرا من حياتهم الوظيفية في الشرق الأوسط. وهذا يعني أنه وعلى أرض الواقع، حتى لو لم يكن هناك اهتمام دائم في العواصم والجامعات، فإن الغرب كان قد بدأ فعلا بالتعرف على العالم الإسلامي عن قرب.
وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه بدأ نفوذ إمبراطوريات أوروبا الغربية في الانحدار، كان العالم العربي قد احتل مركزا عالميا للمرحلة بعد اكتشاف النفط في الخليج. فالمنطقة أصبحت ذات أهمية حاسمة ليس فقط لشعبها والغرب ولكن للعالم بأسره. ولذلك فإن ما يحدث في الخليج يمكن أن يكون له أثر فوري تقريبا على اقتصاد العالم الذي يعتمد على النفط لتحريك ماكنته. إن ما يحدث في الخليج يمكن فعلا أن يؤثر على حياة كل إنسان على وجه الأرض.
وفي ضوء هذه الخلفية، فإن تأسيس دولة إسرائيل في خضم العالم العربي العام 1948 خلق صراعا ألقى بظله على كل علاقة بين الغرب والعالم العربي.
وخلال بضعة عقود بعد اكتشاف النفط في منطقة الخليج، بدأت هجرة المسلمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا تتدفق إلى أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، وحاليا، ولأول مرة، يوجد في المنطقتين عدد كبير من الأقليات المسلمة. وفي الوقت الذي مازال المسلمون عموما يشعرون بنقصان في التمثيل في الحياة السياسية والتجارية لبلدانهم، فإن الأقليات المسلمة في الغرب تشهد تنموا متواصلا في التأثير في الحياة العامة.
إن الأيام التي كان على الشعوب الغربية والعالمين الإسلامي أن تعيش في عزلة عن بعضها بعضا قد ذهبت، ونحن بحاجة الآن إلى أن نعرف ونفهم بعضنا بعضا، لأننا جيران بعضنا بعضا بالمعنى الحرفي لكلمة جيران. ولذلك فإن وصف الناس على أن هذا «غربي» وآخر «مسلم» أمر عفا عليه الزمن.
ولكن ومع الأسف فإن الخلافات السياسية والثقافية وعدم وجود فهم صحيح لبعضنا بعضا مازال قائما. وفي العالم الغربي، فإن مثل هذا الأمر يتجلى في والعنصرية، والإسلاموفوبيا، والافتراض القائل إن الإسلام والتطرف متلازمان ولا يمكن الفصل بينهما. ومن ناحية أخرى نرى أولئك المتطرفين المسلمين الذين تمكنوا من استغلال واسع النطاق لجهل الغرب بالإسلام من أجل كسب الدعم لبرامجهم الخاصة بهم، والتي كثيرا ما تتسم بالعنف.
ولكن الأمر يجب أن لا يكون هكذا، ولحسن الحظ فإن الغالبية العظمى من الناس سواء في العالم الإسلامي أو الغرب يريدون أن يعيشوا حياتهم في جو من السلام والرخاء والتفاهم المتبادل والتسامح. وكما قال أمير ويلز تشارلز (ولي عهد العرش البريطاني) في العام 2006 أمام حشد من الحضور في جامع الأزهر بالقاهرة وفي جامعة الأمام محمد بن سعود في الرياض: «إن معتقداتنا وقيمنا من أسس مشتركة تحث على السلام وليس الصراع، تحث على الاحترام المتبادل والتفاهم، وليس النقد الجارح والمنافسة».
ولكن، لتحقيق ذلك، يتعين اتخاذ إجراءات على مستويات كثيرة. داخل بلدي (بريطانيا) فإن قادة المجتمع (على المستوى المحلي)، والحكومة، ونظام التعليم، ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية، يقومون حاليا بدورهم للتقارب والتفاهم والعمل المشترك.
وبالنسبة إلى السياسة الخارجية البريطانية، فإننا نسعى لتعزيز فهمنا للعالم الإسلامي من خلال مشاركة حكومتي في برنامج الحوار مع العالم الإسلامي، وقد أيدنا الكثير من المشروعات التي تساعد على كسر حواجز سوء التفاهم بين الإسلام والغرب. على نوفمبر/ تشرينننا نساعد جامع الأزهر في مصر لرفع مستوى تعليم اللغة الإنجليزية لكي يتمكن الدعاة المتخرجون من هذه المؤسسة العريقة أن يمارسوا دورهم في تثقيف العالم الناطق باللغة الإنجليزية عن رسالة الإسلام. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قمنا بتنظيم منتدى للشباب على هامش الاجتماع السنوي السعودي - البريطاني بهدف تمكين الشباب من البلدين لمناقشة كيفية تحسين التفاهم المتبادل في المستقبل. وفي الأردن دعمنا إنتاجا إذاعيا وثائقيا دراميا باسم «رسالة عمان»، ويركز البرنامج على الاعتدال والسلام. وهذا البرنامج الدرامي بث في إذاعات العالم العربي.
ولدينا أيضا عمل مشترك مع البحرين في هذا الشأن، وفي ربيع 2006 قام وفد من المسلمين البريطانيين بزيارة البحرين واستقبلوا بترحيب حار هنا. وتمكن الوفد من إعطاء صورة أكثر حقيقية عن إمكان أن يمارس المسلم حياته بصورة لائقة في المملكة المتحدة. ولسنوات عدة لدينا برنامج للمنح الدراسية Chevening وهذه المنح جلبت الكثير من الشباب المتفوق دراسيا إلى المملكة المتحدة للدراسة وليروا بأنفسهم أسلوب حياتنا. كما أن برنامج ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة للمنح الدراسية يعتبر برنامجا ممتازا ويعطي الفرصة لبعض ألمع شباب لبحرين الفرصة لخوض تجربة التعرف على، والتعايش مع، والاستفادة من البلدان الغربية وثقافاتها.
وهناك أيضا عمل جارٍ على مستوى أفقي متعدد الجوانب. فنحن أيدنا بوجه خاص مبادرة من الحكومتين التركية والإسبانية في العام 2005 لإقامة «تحالف الحضارات» تحت رعاية الأمم المتحدة. وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز فهم أفضل وقدر أكبر من التسامح بين ثقافاتنا.
واستضافت البحرين في الشهر الماضي اجتماع «الحوار بين الحضارات»، وفي هذا المؤتمر، قال وكيل المواصلات الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة: «إن السبيل الأمثل لعالمنا يكمن في الحوار. ويجب علينا تعزيز المعرفة ببعضنا بعضا، وتحقيق الاحترام المتبادل، والصبر، ونبذ العنف والحث على التسامح».
هذا، على ما أعتقد، هو موجز واضح لوصف ماذا يجب علينا فعله وما يجب أن نقوم به. فالعالم اليوم صغير للغاية ولا يتحمل مواجهة بين الحضارات. وعلى كل حال، فإن كثيرا من الغربيين أصبحوا مسلمين وكثيرا من المسلمين أصبحوا غربيين.
إقرأ أيضا لـ "جيمي باودن"العدد 1985 - الإثنين 11 فبراير 2008م الموافق 03 صفر 1429هـ