العدد 1984 - الأحد 10 فبراير 2008م الموافق 02 صفر 1429هـ

هل ستكون «وعد» مسيح المعارضة البحرينية؟! (1)

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

شارك تنظيم «وعد» أو الجبهة الشعبية سابقا ربما في أول انتخابات نيابية في تاريخ هذا التنظيم بعد مقاطعة تجربتي 1973 و2002، ودخلت جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) السباق الانتخابي في العام 2006 بقائمة وطنية متميزة ضمت كوادر نضالية مميزة وكفاءات متخصصة متنوعة، وحملت شعارات التغيير وتحقيق الآمال الوطنية المعلقة منذ عقود، وأعدت «وعد» لأجل ذلك برنامجا وطنيا شاملا يعد الأبرز نوعيا والأكثر نضوجا سياسيا فيما يعكس تجربة ريادية راسخة بجذورها النضالية في ميدان العمل السياسي، وذلك بما تضمنته من ملفات وقضايا وطنية مصيرية.

وشكلت «وعد» بذلك إلى جانب قائمة «الوحدة الوطنية» وغيرها من أصوات وطنية دخلت السباق الانتخابي ما يمكننا أن نسميه بنماذج مميزة من الأصوات الوطنية المفقودة في الساحة المتصاعد لهيبها بالخطابات الطائفية والدعوات التشطيرية والتفتيتية بشكل غير مسبوق تاريخيا. وعلى رغم حداثة الدخول في التجربة الانتخابية وحداثة الدخول إلى الميدان الاجتماعي العام بعد طول انقطاع بسبب ظروف سوداوية في ظل نظام أمن الدولة الغابر استطاعت «وعد» وفي ظرف وقت قياسي جدا أن تقوم بتعبئة شعبية كبيرة قل نظيرها في محافظة المحرق والمحافظة الوسطى.

ودخلت الجمعية في منافسة شرسة وقوية ضد «جمعيات الإسلام السياسي» المسنودة والمتبناة بقوة من قبل أطراف نافذة في الدولة والحكومة. وإن كانت منافسة غير متكافئة إلا أن «وعد» يكفيها فخرا أنها كانت على العكس تماما من الزمر الأخيرة التي اعتمدت بشكل كبير على توزيع مرن ومتأقلم لـ «الصدقات» و «الزكوات» ولـ «خياش العيش» و «دباب الدهن» مستغلة في ذلك بشكل انتهازي الفقر السياسي والمعيشي الذي تعاني منه غالبية المواطنين بعد طول تجويع وتغييب، والتي عولت كثيرا على إسناد قلَّ نظيره من استغلال المنابر الدينية فاستثمار العلاقات مع مختلف مؤسسات الدولة لتحصيل الثمار وإثبات الحضور الفئوي التنظيمي في هياكلها الذي قد يأتي على حساب الولاء للمؤسسة في أحايين عدة، والأدهى من ذلك اعتمادها على توجيه أصوات العسكريين المرغمين على التصويت لها، ناهيك عن حملات الإساءة الشخصية واستهداف سمعة الزملاء المرشحين الآخرين سواء كانوا منتمين إلى «وعد» أوغيرها، ومع ذلك فهم في النهاية «يقصون على روحهم» ولا يحترمون ذكاء القراء ويقولون «لدينا شعبية وثقة كبيرة»!

وكأني حينها بمشهد المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شافاه الله) والذي أحدث زلزالا قويا فاق وصفه بشهادة الجميع، وذلك حينما كشف أمام حشود غفيرة من أهل الدائرة عن جميع أرصدته وحساباته المالية وعن رقم حسابه المصرفي متيحا للجميع إمكانية الاطلاع على كشوفات حسابه، ووعد الجمهور حينها بالتخلي عن امتيازاته الممنوحة له برلمانيا من سيارة فخمة وحتى مسمى «صاحب السعادة»، فقال بالحرف الواحد مخاطبا الجماهير «يا الأخو لوحدها تكفي منكم ونتشرف بها»، وذلك مقابل من «تزبر» من المترشحين ولبس «البشت» قبل أن يصل إلى البرلمان وكأنه «شيخ الأنبار»!

في حين أن أحد كبراء المترشحين الإسلامويين قال لناخبيه حينما أرادوا الالتقاء به: «لا حاجة لي بلقائكم الآن فموعدنا يوم الانتخابات، الحقوا على (البوفيه) لا يخلص!»، وهناك الكثير ممن زج زجا في متون السياسة التي «توهق» بها كثيرا وسلم «العدة» لجهات متنفذة لتتولى إدارة حملاته بطريقتها الأنصع من «الصيني بعد غسيله بفيري»!

وإن كنا لا ننكر حقيقة استهداف تنظيم «وعد» بشكل مكثف من مقبل مختلف الجهات بأشكال فاقت بدناءتها كامل الأوصاف فهي تهدف إلى شق التنظيم السياسي وتفتيت تماسكه المركزي وإثخانه عبثا، وذلك إلى درجة تخلت فيها إحدى الصحف عن دعم محاميها المتميز في الانتخابات وساندت جماعات الإسلام السياسي المسنودة رسميا تنفيذا لمستحقات «البزنس إز بزنس» على حساب المبادئ «الليبرالوية» والمعايير المهنية التي أصبحت معايير شمطاء في الأعراف الانتهازية الجديدة للصحيفة!

إلا أننا ومع تسليمنا بتربص البعض وبشروط الاستهداف الموضوعي، فإننا لا ننكر ونتغافل عن أن هنالك الكثير من الأخطاء السياسية الذاتية التي وقع فيها أفراد وقيادات التنظيم وسهلت لتمهيد وتسهيل ذلك الاستهداف، ولعل من أبرزها استخدام لغة هجومية وانتقادية حادة ضد أحد كبار المسئولين في الدولة، الأمر الذي شكل سابقة لدى الكثير من الجماهير التي لم تتعود على هذه اللغة بعد طول انقطاع. وأذكر أن النعيمي وخلال لقاء لي معه اعترف كعادته بمنتهى الشجاعة والصراحة والوضوح بوقوع التنظيم في ارتكاب ذلك الخطأ السياسي الذي أفسح للكثير من المتربصين إمكانات التصيد في الماء العكر، وأن ذلك أدخل التنظيم في كماشة مواجهة غير محسوبة العواقب على أصداء حساسة لخطابه شعبيا واجتماعيا!

وإن كان غياب عبدالرحمن النعيمي (أبوأمل) المفاجئ عن الساحة السياسية المحلية والإقليمية بسبب المرض أوشك على أن يناهز العام فإن من يتابع خطوات سير «وعد» في مختلف الميادين العامة، وذلك طبعا من غير المخبرين، سيجد بصورة جلية فروقا واسعة في حضور «وعد» الميداني وطنيا وقد حدثت منذ ذلك الغياب، وكأنما أوشك هذا الغياب أن يكون عشرين عاما بعين التدبر الاجتماعي والسياسي لا التدبر العاطفي والانفعالي، فـ «وعد عبدالرحمن النعيمي» بواقعيتها السياسية الوطنية على الصعيد الميداني تختلف نوعيا عن «وعد إبراهيم شريف» برومانسيتها المتقدة!

ولقد كانت ولاتزال تلك الخطيئة الآدمية لليسار عموما و «التيار الوطني الديمقراطي» خصوصا أنه عاش حالما ومنعزلا بعيدا عن الميدان الاجتماعي العام، الأمر الذي أتاح الفرصة السانحة لجماعات وتيارات الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي لأن تستغل هذا المكان الشاغر جيدا فتنطلق بشكل لافت ومميز في مزيج فريد من مزاولة العمل الخيري الراسخ و «العمل السياسي» الطارئ، وتكون بالتالي ساحة ممهدة للتصعيد الطائفي المتبادل مهما اختلفت نوايا الجانبين.

وللأسف هم إخوتنا من جماعة اليسار و «التيار الوطني الديمقراطي» أدركوا ذلك حديثا وعمل الكثير منهم بجد على النزول إلى الميدان الاجتماعي ومخاطبة الشارع بعيدا عن الاستعلاء الخطابي والمكوث في الصالونات السياسية المغلقة، وإن كنت أذكر مجلس عبدالرحمن النعيمي في قلالي الذي طالما غص بالحاضرين من مختلف مناطق البحرين من المحرق والمنامة والرفاع والزلاق وجدحفص وسترة وغيرها وكيف كان واجهة استقطاب وطني مميز في المحرق في فترة قياسية جدا مقارنة بالكثير من المجالس المحرقية الأخرى ذات الباع الطويل، إلا أن تلك المسيرة الاجتماعية السياسية ذات الخط الوطني في المحرق توقفت للأسف بغياب هذا الرمز.

في ظل «وعد - إبراهيم شريف» اعتبرت جزيرة المحرق للأسف وكأنها تابعة للشقيقة قطر وليست جزءا من البحرين، وذلك وفقا لخريطة العمل السياسي والاجتماعي الميداني الحالية لـ «وعد»، وعلى رغم أن الأخ العزيز إبراهيم شريف اعتبر المحرق من قبل حاضنة الدوائر الانتخابية الحاسمة والمفصل الاجتماعي السياسي الأكثر التهابا في الحراك الوطني، على رغم الحديث عن بناء فرع «وعد» بالمحرق من دون أن نرى عودة وتواصلا مرنا مع واقع القاعدة الاجتماعية والشعبية «الوعدية».

ومثل هذا التقصير الميداني الواضح من قبل «وعد» في الفترة الحالية تجاه الشارع المحرقي الوطني وغيره وتجاه كتلة الناخبين الكبرى التي أرهبت الجميع ودكت حصون الانتهازية والنفاق والتحزبات الطائفية والقبلية في البلد، قابله للأسف انصراف واضح وحضور ميداني مفرط من قبل «وعد - إبراهيم شريف» ناحية القرى ومراكز الثقل السياسي لـ «الشارع الشيعي» إلى جوار «حق» و «الوفاق» و «أمل»، وإن كان هذا الحضور الميداني المشترك تبنى طرحا وطنيا مشرفا في خطابه فإن تركيبته وتكويناته وحساسياته الطائفية المحسوسة بقوة من قبل الشارع البحريني المبتلى لن تتقبل من ليبرالية ووطنية إبراهيم شريف أية شفاعة وطنية!

فهيجانات بوشريف السياسية المحتدة وحماسته المفرطة في الكثير من المواضع بجانب «الحلفاء» و «الأصدقاء»، أوشكت للأسف أن تكون مزعزعة للصدقية والاستقلالية الوطنية للتنظيم لدى قطاع لا يمكن تحجيمه من المواطنين الذين وقعوا بين نارين، وللأسف فإن شعار «وعد بيت لجميع المواطنين» في ظل الحراك الميداني لـ «وعد» وإبراهيم شريف تحديدا لم يصبح واقعيا ألبتة، وربما يعذر المواطن البسيط والمغيب في المحرق أو الرفاع وغيرهما من مناطق البحرين حينما يعتبر «وعد» قفازا وطنيا للأحزاب والفرق والجماعات السياسية ذات التركيبة والمنحى الطائفي، أو أن يعتبر أبوشريف الوكيل غير الشرعي (العلماني) لـ «الوفاق» و «حق» و «أمل» وغيرها وإن كانت هناك اختلافات كثيرة ومفصلية بين «وعد» وباقي حلفائها كما هي اختلافات فكرية وسياسية بنيوية ومنهجية لا يمكن لهذا المواطن وأمثاله الكثير أن يدركونها طالما لم تتجلَّ لهم عملا ميدانيا نشيطا ومتواصلا، وسياسة أكثر مرونة تتبعها «وعد» في التعاطي مع مختلف الأحداث.

فهل «وعد» تنوي بذلك الانتحار سياسيا في شارع لتنتقل روحها السياسية المعذبة إلى شارع آخر، أم من المفترض أن تكون «وعد» جسرا للتقريب والتجميع الوطني بين مختلف القوى والتيارات السياسية بما فيها «الموالية»؟!

وإن كنا نشيد بقوة بمبادرات الأخ العزيز إبراهيم شريف وتصريحاته الانتقادية التي دعا فيها إلى إنشاء مطبخ سياسي وطني، ورفض باسم «وعد» وسائر الحلفاء لعب دور المستشار لـ «الوفاق»، ووصف «التيارات الإسلامية السياسية» بأنها إقصائية في حقيقتها، ولقي حينها ما لقيه من شتم وسب ساقط قل نظيره من قبل «فروخ» بعض المنتديات الإلكترونية الطائفية، كما لقي تهجما وتسقيطا واستعدادا للتضحية به من قبل أقرب حلفائه، وذلك على أمل السعي إلى رسم تحالفات طائفية استقطابية أخرى تحتكر الشارع بأكمله، فإننا وفي غمرة ذلك نعجب من أن نجد خطابات أبوشريف الممتازة تلك وقد باتت معزولة ومنفصمة عن تطبيقاته الميدانية أو بالأحرى تطبيقات «وعد» الميدانية.

فما هي مدلولات مفهوم «التحالف» لدى إبراهيم شريف أساسا إن كان هذا التحالف سينتقص من هوية «وعد» الوطنية المميزة وسيقلص من حضورها الميداني في شارع على حساب الشارع الآخر؟ ما هو مصيره إذا؟! ألا يعلم أبوشريف ورفاقه بأن الإصرار على ممارسة الخطايا السياسية سرعان ما يحولها إلى حماقات استراتيجية غير محسوبة الأبعاد؟!

نحن لا ندعو أخانا إبراهيم شريف ورفاقه إلى أن يفضوا تحالفاتهم مع «الوفاق» و «أمل» و «حق» ليستبدلوها بتحالفات مع قوى سياسية ذات تركيبة طائفية سنية، فذلك لن يغير من سوء الواقع شيئا ولن يكن واقعيا أساسا، وإنما ننصحه على الأقل بالاقتداء بالإخوة الأفاضل في «الوفاق» في محافظتهم على خصوصيتهم وفي عقلانيتهم وواقعيتهم السياسية وتعاملهم المحبوك بأكثر من لغة مع مختلف الأطراف ومختلف الظروف المتغيرة.

لا أعتقد أنه يخفى على إبراهيم شريف بأنه هنالك للأسف فئات في «وعد» تحمل الجنسيتين «الوعدية» و «الوفاقية» المزدوجة، أو ربما هي جنسيات مكعبة، وتتمنى أن تكون «وعد» و «الوفاق» وجهين لعملة سياسية واحدة إلى الأبد عسى أن تستقر بذلك عائلاتها وجماعاتها اللاتي تضم أفرادا ينتمون إلى «وعد» و «الوفاق» و «حق»!

ومن خلال تجربتي الكتابية المتواضعة أعترف وأقر صراحة بأنني عادة ما ألقى ترحيبا وانفتاحا كبيرا من قبل الكثير من الإخوة في «الوفاق» حينما أنتقدهم مهما كانت حدة هذا النقد، إلا أنني وفي الجانب الآخر أجد نفورا واشمئزازا واستياء كبيرا من قبل «وفاقيي وعد» حينما أنتقد «الوفاق»!

وإن كانت «وعد» توصف بأنها «تنظيم ضباط من غير جنود» فإننا لا نرجو من إبراهيم شريف أن يتبع سياسة تجنيد مغايرة بشكل حدي لسياسة الدولة في التجنيد العسكري ذات المنحى المعروف، وإنما ليكن تجنيدا سياسيا سلميا وطنيا لا ينتقص من حق وحضور الآخر بأن يكون مجندا سياسيا وطنيا في خدمة أجندة «وعد» الوطنية أكان من المحرق أم السنابس، سترة أو الزلاق.

وإن أصر إبراهيم شريف ورفاق تياره «الوعدي» على ارتكاب الخطايا السياسية الفادحة ذاتها، فإننا نطلب منهم كإخوة وأصدقاء أعزاء أن يقوموا على الأقل بإنصاف من شارك معهم وانتخبهم في «أيام زمان» أو بالأحرى منذ عام، فيفرقوا إيجابيا بين مواطن أتى مشفوعا ومؤيدا بالفتاوى السياسية المنقوعة بحبر التحالف السياسي من جهة، وبين مواطن شارك معهم ميدانيا يوما بيوم، وانتخبهم وجازف بمخالفة التوجيهات العسكرية أو تعرض لإذلال وتضييق في عمله ونبذ من جماعته ومحيطه الاجتماعي لكونه تبنى خيارا وطنيا حرا، فأولئك هم في الجهة الأخرى الأكثر عتمة وبعدا عن ميدان «وعد» يا إبراهيم شريف!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1984 - الأحد 10 فبراير 2008م الموافق 02 صفر 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً