العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ

حرب الأفيون الأفغانية (2/4)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الإدمان على الأفيون ليس محصورا في الغرب كما تحاول بعض مؤسسات الإعلام الدولية أنْ تروج له، إذ ترتفع في داخل أفغانستان معدلات إدمان المخدرات. الأخطر من ذلك كله هو أن التعرض المطوّل للأفيون الخام يدفع العديد من العمّال نحو الإدمان على المخدرات، كما جاء في دراسات وزارة مكافحة المخدرات الأفغانية، إذ يستعمل بعض العمّال أصابعهم بدلا من الشفرة المستوية لجمع المادة المخدرة الخام ومن الشائع لديهم أنْ يلعقوا أصابعهم، الأمر الذي يدفعهم نحو الإدمان على المخدرات. ويستنشق العمّال أيضا الرائحة القوية المنبعثة من المادة المخدرة أثناء ساعات العمل مما يزيد من قابليتهم للإدمان على المخدرات.

أمّا الدول المجاورة، وهي الأخرى ليست غربية، التي كانت تستخدم كمحطات انتقالية للمخدرات فقد أصبحت الآنَ من بين أكبر الجهات المستهلكة لهذه المادة، بسبب الزيادة الهائلة المماثلة في معدلات إدمان الأفيون والهيروين. وبسبب تعاطي المخدرات بالحقن في الوريد انتشر مرض الإيدز والفيروس المسبب له، في إيران، ووسط آسيا، وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة.

وبخلاف ما قد يتوقعه البعض من خلو أفغانستان من مقومات اقتصادية ماعدا زراعة الأفيون وتجارة المخدرات غير الشرعية، ورغم أنه لا توجد معلومات متوافرة عن الاقتصاد الحالي، ورغم أن أفغانستان تصنف - قبل انقلاب 1978 والحرب الأفغانية الروسية - كواحدة من أفقر دول العالم وأقلها نموا، لكن هناك عناصر اقتصادية مشجّعة، وإن كان تنميتها بحاجة إلى الكثير من الجهود. إن اقتصاد أفغانستان أساسا هو اقتصاد زراعي، فقد مثلت الزراعة 52.09 في المئة من إجمالي الناتج القومي لعام 77/1978، فضلا عن اعتماد قطاع ضخم من الصناعات على المواد الخام الزراعية (مثل صناعات الغزل والنسيج والسجاد والسكر وتجفيف الفاكهة والجلود والزيوت). في حين مثلت الصناعة قطاعا صغيرا في الاقتصاد الأفغاني، وكانت في معظمها صناعات أولية واستهلاكية. أمّا التعدين، فقد اقتصر إنتاجه التجاري على الغاز الطبيعي والفحم والملح، رغم غنى أفغانستان بالثروات المعدنية الأخرى. وقد شكلت الصناعة والتعدين 20.48 في المئة من إجمالي الناتج القومي لعام 77/1978.

وعند الحديث عن مكافحة زراعة وتجارة الأفيون في أفغانستان علينا النظر إلى التجربة التركية في هذا المجال، حيث كانت تجارة الأفيون منتشرة على نطاق واسع، وكانت تهدد أيضا الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. فعلى غرار أفغانستان تملك تركيا تقليدا عريقا في زراعة نبات الخشخاش، وكانت تتوجس من أنْ تؤدّي جهود القضاء على المحاصيل إلى زعزعة الاستقرار وإسقاط الحكومة. والأكثر من ذلك كانت تركيا تصنف على أنها المصدر الأساسي لمخدرالهرويين الذي يُباع في الأسواق الغربية، ولم تجدِ المحاولات المتكررة في القضاء عليه بعدما باءت كلها بالفشل. ونتيجة لذلك قرر الأتراك في العام 1974 وبدعم من الولايات المتحدة تجريب تكتيك جديد يقوم على الترخيص لزراعة نبات الخشخاش بهدف إنتاج المورفين وأنواع أخرى من المخدرات التي يتم استخدامها بشكل قانوني في الطب. وهكذا أنشئت مصانع شرعية لاستبدال تلك غير القانونية وشرع المزارعون في تسجيل أنفسهم بشكل رسمي وبدؤوا في دفع الضرائب للدولة. ومازالت الحكومة الأميركية تدعم تركيا، بل تفرض على شركات الأدوية الأميركية شراء 80 في المئة من احتياجاتها مما تطلق عليه الوثائق الرسمية في الولايات المتحدة «المواد الأولية المخدرة» من أكبر منتجين تقليديين للأفيون وهما: تركيا والهند.

لكن ينبغي أن ندرك أن هناك سببا هاما يقف ضد مثل هذا التوجه عند محاولة تطبيقه في أفغانستان، التي لاتزال تئن تحت طائلة الفقر والمرض، وهو قضية سعر الخشخاش القانوني مقابل الخشخاش غير القانوني، حيث أن الكيلو من الخشخاش يكلف بين 16 إلى 49 دولارا في السوق القانونية بينما سعر الكيلو منه 138 دولارا في السوق السوداء، الأمر الذي لا يقدم للمزارعين الأفغان؛ أي حافز على التحول إلى السوق القانونية ما لم يتم استخدام نظام ضخم للإعانات المالية للتعويض عن فارق السعر.

لكن بعيدا عن زراعة الخشخاش والمشكلات التي تولدها، هناك الزراعة التقليدية التي أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) عشية انعقاد المؤتمر الدولي للمانحين في برلين بألمانيا (مارس/ آذار 2004)، على أنّ مكافحة إنتاج الأفيون يجب أن تستند إلى فرض سيادة القانون وإعادة تأهيل القطاع الزراعي.

وفي هذا السياق ناشدت المنظمة حينها من أجل توفير 60 مليون دولار لدعم القطاع الزراعي لأفغانستان، لاسيما ما يتعلق بإنتاج المحاصيل وتكاثر البذور والري والصحة والإنتاج الحيواني ووقاية المزروعات والبستنة والتثقيف التغذوي وبناء القدرات.

ويشمل البرنامج عنصرا آخر تصل كلفته إلى 25.5 مليون دولار؛ لتمويل مشروعات التنمية الزراعية خلال السنوات الخمس التالية في أربع ولايات رئيسية تنتج الخشخاش حيث يعيش نحو 1.5 مليون شخص .

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1982 - الجمعة 08 فبراير 2008م الموافق 30 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً